Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-17)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } في هذه الآية وجهان : الأول : إنّ ما أفادته من الحصر - وإن لم يصرحوا به - إلا أنه نسب إليهم لأنه لازم مذهبهم لأن معتقدهم مؤدّ إليه . قال الرازيّ : لأنهم يقولون : إن أقنوم الكلمة اتحد بعيسى عليه السلام . فأقنوم الكلمة إما أن يكون ذاتاً أو صفة ، فإن كان ذاتاً فذات الله تعالى قَدْ حلّت في عيسى واتّحدت بعيسى ، فيكون عيسى هو الإله على هذا القول . وإن قلنا : إنّ الأقنوم عبارة عن الصفة ، فانتقال الصفة من ذات إلى ذات أخرى غير معقول . ثم بتقدير انتقال أقنوم العلم عن ذات الله تعالى إلى عيسى ، يلزم خلوّ ذات الله عن العلم ، ومن لم يكن عالماً لم يكن إلهاً ، فحينئذ يكون الإله هو عيسى على قولهم . فثبت أنّ النصارى - وإن كانوا لا يصرحون بهذا القول - إلا أن حاصل مذهبهم ليس إلا ذلك . انتهى . وبطلان الاتحاد معلوم بالبداهة . قال العلامة العضد في ( الموقف الثاني ) : المقصد الثامن : الاثنان لا يتحدان . وهذا حكم ضروريّ . فإن الاختلاف بين الماهيتين والهويتين اختلاف بالذات فلا يعقل زواله . وهذا ربما يزاد توضيحه فيقال : إنْ عدم الهويتان فلا اتحاد , بل وحدث أمر ثالث غيرهما - وإن عدم أحدهما - فلا يتحد المعدوم بالموجود - وإن وجدا فهما اثنان كما كانا , فلا اتحاد أيضاً . انتهى . الوجه الثاني : إنه عُنِي بهذه الآية قوم يقولون بأن حقيقة الله هو المسيح لا غير . قال الزمخشريّ : قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك . انتهى . قال الإمام الشهرستانيّ في ( الملل والنحل ) عند ذكر فرق النصاري : ومنهم اليعقوبية أصحاب يعقوب ، قالوا بالأقانيم الثلاثة - كما ذكرنا - إلا أنهم قالوا : انقلبت الكلمة لحماً ودماً فصار الإله هو المسيح , وهو الظاهر بجسده بل هو هو . وعنهم أخبرنا القرآن الكريم : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، فمنهم من قال : المسيح هو الله ، ومنهم من قال : ظهر اللاهوت بالناسوت فصار ناسوت المسيح مظهر الحق ، لا على طريق حلول جزء فيه ، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة بل صار هو هو . وهذا كما يقال : ظهر المَلك بصورة الإنسان ، أو ظهر الشيطان بصورة حيوان … إلخ . وذكر الإمام الماورديّ في ( أعلام النبوة ) : إن أوائل النسطورية قالوا : إن عيسى هو الله . انتهى . وذكر الإمام ابن إسحاق في ( السيرة ) : إن نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , كانوا من النصرانية على دين ملكهم ، مع اختلاف من أمرهم ، يقولون هو الله ، ويقولون هو ولد الله ، ويقولون هو ثالث ثلاثة - يعني : هو تعالى وعيسى ومريم - وكذلك قول النصرانية ، ثم قال : ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن . { قُلْ } - أي : تبكيتاً لهم , وإظهاراً لفساد قولهم - { فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي : من يستطيع إمساك شيء من قدرته تعالى : { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } أي : يُمِيتَهُ { وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي : فضلاً عن آحادهم . احتج بذلك على فساد قولهم ، وتقريره : أن المسيح حادثٌ بلا شبهة ، لأنه تولد من أم ، ولذا ذكرت الأم للتنبيه على هذا ، ومقهورٌ قابل للفناء أيضاً كسائر الممكنات ، ومن كان كذلك كيف يكون إلهاً ؟ قال أبو السعود : وتعميم إرادة الإهلاك للكل - مع حصول المطلوب بقصرها على المسيح - لتهويل الخطب وإظهار كمال العجز , ببيان أنّ الكل تحت قهره تعالى وملكوته ، لا يقدر أحد على دفع ما أريد به ، فضلاً عن دفع ما أريد بغيره ، وللإيذان بأن المسيح أسوة لسائر المخلوقات في كونه عرضة للهلاك ، كما أنه أسوة لها فيما ذكر من العجز وعدم استحقاق الألوهية . { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق والعجائب - وهذا تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى ، إثر بيان انتفائها عن غيره { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبهة في أمر المسيح - لولادته من غير أب , وإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص - أي : يخلق ما يشاء من أنواع الخلق كما شاء بأب أو بغير أب … ! قال السمرقنديّ : وإنما قال : { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } لأن النصارى أهل نجران كانوا يقولون : لو كان عيسى بشراً كان له أب . فأخبرهم الله تعالى أنه قادر على أن يخلق خلقاً بغير أب . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من خلق الخلق ، والثواب لأوليائه ، والعقاب لأعدائه - { قَدِيرٌ } .