Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 18-18)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } حكاية لما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة ، وبيان لبطلانها بعد بطلان ما صدر عن أحدهما ، أي : قالوا : نحن من الله بمنزلة الأبناء من الآباء في المنزلة والكرامة ، ونحن أحباؤه لأننا على دينه . قال ابن الكثير : ونقلوا عن كتابهم أن الله قال لعبده إسرائيل : أنت ابني بكري . فحملوا هذا على غير تأويله وحرّفوه ، وقد ردّ عليهم غيرُ واحدٍ ممن أسلم من عقلائهم . وقالوا : هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام ، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم : إني ذاهب إلى أبي وأبيكم , يعني : ربي وربكم . ومعلوم أنهم لم يدّعوا لأنفسهم من البنوّة ما ادعوها في عيسى عليه السلام , وإنما أرادوا بذلك معزتهم لديه , وحظوتهم عنده … ! انتهى . وقال الجلال الدواني في ( شرح عقائد العضد ) : وما نُقِلَ عن الإنجيل - فعلى فرض صحته وعدم التحريف - يكون إطلاق الأب عليه بمعنى المبدأ ، فإن القدماء كانوا يسمون المبادئ بالآباء ، وأنت تعلم أن المتشابهات في القرآن وغيره من الكتب الإلهية كثيرة ، ويردّها العلماء بالتأويل إلى ما علم بالدليل ، فلو ثبت ذلك لكان من هذا القبيل . انتهى . وقال الدهلويّ في ( الفوز الكبير ) : إن الله عزّ وجلّ شرف الأنبياء وتابعيهم في كل ملّة بلقب المقرب والمحبوب ، وذم الذين ينكرون الملّة بصفة المبغوضية . وقد وقع التكلم في هذا الباب بلفظ شائع في كل قوم , فلا عجب أن يكون قد ذكر الأبناء مقام المحبوبين , فظنّ اليهود أن ذلك التشريف دائر مع اسم اليهوديّ والعبريّ والإسرائيليّ ، ولم يعلموا أنه دائر على صفة الانقياد والخضوع وتمشية ما أراد الحقّ سبحانه ببعثة الأنبياء لا غير . وكان ارتكز من هذا القبيل في خاطرهم كثير من التأويلات الفاسدة المأخوذة من آبائهم وأجدادهم . فأزال القرآن هذه الشبهات على وجه أتمّ . انتهى . { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي : لو كنتم أبناءَه وأحبّاءَه لَمَا عذبكم , لكن اللازم منتفٍ إذ عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ , واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياماً معدودة . لطيفة قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء : أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فلم يردّ عليه , فتلا عليه الصوفيّ هذه الآية : { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } . وهذا الذي قاله حسن ، وله شاهد في ( المسند ) للإمام أحمد حيث قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس قال : " مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من أصحابه , وصبيّ في الطريق . فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول : ابني ابني ! وسعت فأخذته , فقال القوم : يا رسول الله ، ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار . قال : فخفضهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " لا , ولا يلقي الله حبيبه في النار " قال ابن كثير : تفرّد به أحمد . انتهى . وقال السمرقندي : في الآية دليل أن الله تعالى إذا أحبّ عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه ، لأنه تعالى احتج عليهم فقال : { فَلِمَ يُعَذِّبُكُم } لو كنتم أحباء إليه ؟ وقد قال في آية أخرى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] . ففيها دليل أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم ، ولا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] . وقوله تعالى : { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ } عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ، أي : لستم كذلك بل أنتم بشر { مِمَّنْ خَلَقَ } أي : من جنس من خلقه من غير مزية لكم عليهم { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } لمن تاب من اليهودية والنصرانية { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } من ملتي اليهودية والنصرانية { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي : المرجع ، مصير من آمن ومن لم يؤمن ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .