Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } روى ابن أبي حاتم ؛ أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إليّ ! فقال : إذا سمعت الله يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فأرعها سمعك . فإنه خير يأمر به ، أو شر ينهي عنه . و ( الوفاء ) ضد الغدر ، كما في القاموس ، وقال غيرة : هو ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء . يقال : وفى بالعهد وأوفى به . قال ناصر الدين في ( الانتصاف ) : وورد في الكتاب العزيز ( وفّى ) بالتضعيف في قوله تعالى : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ االنجم : 37 ] ، ورد " أوفى " كثيراً ، ومنه : { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } . وأما " وَفَى " ثلاثيا ، فلم يرد إلا في قوله تعالى : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 111 ] . لأنه بنى أفعل تفضيل من " وفى " إذ لا يبني إلا من ثلاثيّ . والعقود : جمع عقد وهو العهد الموثق ، شبه بعقد الحبل ونحوه ، وهي عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف . قال عليّ بن طلحة : قال ابن عباس : يعني بالعهود ما أحلّ الله وما حرم ، وما فرض ، وما حدّ في القرآن كلّه ، ولا تغدروا ولا تنكثوا . وقال زيد بن أسلم : العقود ستة : عهد الله ، وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد البيع ، وعقد النكاح ، وعقد اليمين . قال الزمخشريّ : والظاهر أن عقود الله عليهم في دينه ، من تحليل حلاله وتحريم حرامه . وأنه كلام قديم مجملاً ، ثم عقب بالتفصيل ، وهو قوله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } البهيمة ما لا عقل له مطلقاً ، من ذوات الأرواح أو ذوات الأربع . قال الراغب : خص في المتعارف بما عدا السباع والطير . وإضافتها للأنعام للبيان ، كثوب الخز . وإفرادها لإرادة الجنس ، أي : أحلّ لكم أكل البهيمة من الأنعام . جمع " نَعَم " محرّكة وقد تسكن عينه . وهي الإبل والبقر والشاء والمعز . { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني : رخصت لكم الأنعام كلها ، إلا ما حرم عليكم في هذه السورة ، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك . وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبَحيرة ، فأخبر الله تعالى أنهما حلالان ، إلا ما بيّن في هذه السورة ، ثم قال : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } يعني : أحلت لكم هذه الأشياء من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون . فـ ( غير ) نصب على الحالية من ضمير ( لكم ) . قال في ( العناية ) : ولا يرد ما قيل : إنه يلزم تقيد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد وهم حرم ، وهي قد أحلت لهم مطلقاً . ولا يظهر له فائدة ، إلا إذا عنى بالبهيمة الظباء وحمر الوحش وبقره ، لأنه - مع عدم اطراد اعتبار المفهوم - يعلم منه غيره بالطريق الأولى . لأنها إذا أُحلت في عدم الإحلال لغيرها ، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم ، فكيف في غير هذا الحال ؟ فيكون بياناً لإنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك ، وبياناً لأنهم في غنيةٍ عن الصيد وانتهاك حرمة الحرم . وفي ( الإكليل ) : في الآية تحريم الصيد في الإحرام والحرم ، لأن " حرماً " بمعنى محرمين ، ويقال : أحرم أي : بحجّ وعمرةٍ . وأحرمََ : دخل في الحرم . انتهى . قال بعض الزيدية : والمراد بالصيد المحرّم على المحرِم ، هو صيد البر . لقوله في هذه السورة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } [ المائدة : 96 ] هذا إذا جعل ( حرم ) جمع ( محرم ) وهو الفاعل للإحرام . وإن جعل للداخل في الحرم ، استويّ تحريم البحريّ والبرّي ، وذلك حيث يكون في الحرم نهر فيه صيد فيحرم ، لقوله تعالى : { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [ آل عمران : 97 ] . لأنه يقال لمن دخل الحرم ، أنه محرم . كما يقال : أعرق وأنجد : إذا دخل العراق ونجداً . ويكون التحريم في مكة وحرم المدينة لما ورد من الأخبار في النهي عن صيد المدينة وأخذ شجرها ، نحو : " المدينة حرم من عير إلى ثور " انتهى . { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } من تحليل وتحريم ، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه .