Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 35-35)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ } - أي : اطلبوا - { إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } أي : القربة - كذا فسَّره ابن عباس ومجاهد وأبو وائل والحسن وزيد وعطاء والثوريّ وغير واحد . وقال قتادة : أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه . وقرأ ابن زيد : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } [ الإسراء : 57 ] . قال ابن كثير : وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة , لا خلاف بين المفسرين فيه . وفي ( القاموس وشرحه ) : الوسيلة والواسلة , المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والوصلة . وقال الجوهريّ : الوسيلة , ما يتقرب به إلى الغير . والتوسيل والتوسل واحد . يقال : وَسَّل إلى الله تعالى توسيلاً , عمل عملاً تقرب به إليه , كتوسل . و ( إلى ) يجوز أن يتعلق بـ ( ابتغوا ) وأن يتعلق بـ ( الوسيلة ) . قدم عليها للاهتمام به { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : بسبب المجاهدة في سبيله . وقد بين كثير من الآيات أن المجاهدة بالأموال والأنفس . تنبيه ما ذكرناه في تفسير ( الوسيلة ) هو المعوّل عليه . وقد أوضح إيضاحاً لا مزيد عليه , تقيّ الدين ابن تيمية عليه الرحمة في ( كتاب الوسيلة ) فرأينا نقل شذرة منه , إذْ لا غني للمُحَقِّق في علم التفسير عنه . قال رحمه الله بعد مقدّمات : إن لفظ الوسيلة والتوسل , فيه إجمال واشتباه , يجب أن تعرف معانيه ويعطي كلّ ذي حقّ حقه . فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه . وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك . ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه . فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها ، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب . فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } . وفي قوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } [ الإسراء : 56 - 57 ] . فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغي إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه ، هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات . فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب ، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك . سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً . فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب واستحباب . وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول . فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها ، هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول ، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك . و ( الثاني ) لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تبتغي إلا لعبد من عباد الله . وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد . فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة " وقوله : " من قال حين يسمع النداء : اللهم ! رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ! آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة " ، فهذه الوسيلة للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة . وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة ، وأخبرنا أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله ، وهو يرجو أن يكون ذلك العبد ، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة . لأن الجزاء من جنس العمل . فلما دعوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعوا هُوَ لَهُم ، فإن الشفاعة نوع من الدعاء . كما قال : أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا . وأما التوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة ، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته . والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به ، كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح . وحينئذ ، فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين ، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة . فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء ، فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام ، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته ، والثاني : دعاؤه وشفاعته كما تقدم . فهذان جائزان بإجماع المسلمين . ومن هذا قول عمر بن الخطاب : اللهمّ ! إنّا كنا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبّينا فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبّينا فاسقنا . أي : بدعائه وشفاعته . وقوله تعالى : { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } أي : القربة إليه بطاعته ، وطاعةُ رسوله طاعتهُ ؛ قال تعالى : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] . فهذا التوسل الأول هو أصل الدين ، وهذا لا ينكره أحدٌ من المسلمين . وأمّا التوسّل بدعائه وشفاعته - كما قال عمر - فإنه توسّل بدعائه لا بذاته ، ولهذا عدلوا عن التوسّل به إلى التّوسل بعمه العباس ؛ ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس . فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس ، علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته . بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له ، فإنه مشروع دائماً . فلفظ التوسل يراد به ثلاث معان : ( أحدها ) التوسّل بطاعته ، فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلا به ، و ( الثاني ) التوسّل بدعائه وشفاعته ، وهذا كان في حياته ، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته ، و ( الثالث ) التوسّل به ، بمعنى : الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته ، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه ، لا في حياته ولا بعد مماته ، لا عند قبره ولا غير قبره ، ولا يعرف هذا في شيءٍ من الأدعية المشهورة بينهم . وإنما ينقل شيءٌ من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة ، أو عن من ليس قوله حجة ، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه ؛ إنه لا يجوز ، ونهوا عنه حيث قالوا : لا يسأل بمخلوق ، ولا يقول أحد : أسألك بحق أنبيائك . قال أبو الحسين القدوريّ في كتابه الكبير في الفقه المسمى بـ ( شرح الكرخيّ ) في باب الكراهة : وقد ذكر هذا غير واحدٍ من أصحاب أبي حنيفة . قال بشر بن الوليد : حدثنا أبو يوسف قال : قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحدٍ أن يدعوا إلا به . وأكره أن يقول : بمعاقد العز من عرشك ، أو بحق خلقك . وهو قول أبي يوسف . قال أبو يوسف : بمعقد العز من عرشه هو الله . فلا أكره هذا . وأكره أن يقول : بحق فلانٍ ، أو بحق أنبيائك ورسلك . وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام . قال القدوريّ : المسألة بخلقه لا تجوز ، لأنه لا حق للخلق على الخالق ، فلا تجوز وفاقاً . وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه - من أن الله لا يسأل بمخلوق - له معنيان : أحدهما : هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق ، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق ، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق ، أولى وأحرى . وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] ، { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [ الشمس : 1 ] ، { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } [ النازعات : 1 ] ، { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } [ الصافات : 1 ] - فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن من ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته ، ما يحسن معه إقسامه . بخلاف المخلوق ، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها . كما في ( السنن ) عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف بغير الله فقد أشرك " وقد صححه الترمذيّ وغيره . وفي لفظ : " فقد كفر " وقد صححه الحاكم . وقد ثبت عنه في ( الصحيحين ) أنه قال : " " من كان حالفاً فليحلف بالله " . وقال : " لا تحلفوا بآبائكم . فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " وفي ( الصحيحين ) عنه أنه قال : " من حلف باللات والعزّى فليقل : لا إله إلا الله " وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة ، أو بما يعتقد هو حرمته - كالعرش والكرسيّ والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وسراويل الفتوّة وغير ذلك … - لا ينعقد يمينه ، ولا كفارة في الحنث بذلك . والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحد القولين في مذهب الشافعيّ وأحمد . وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك . انتهى .