Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 49-49)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } عطف على ( الكتاب ) أي : أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه . أو على ( الحق ) أي : أنزلناه بالحق وبـ ( أن احكمَ ) ويجوز أن يكون جملة ، بتقدير : وأمرنا أن احكم . وفي التعرض لعنوان إنزاله تعالى إياه ، تأكيد لوجوب الامتثال ، تمهيد لما يعقبه من قوله : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } أي : يصرفوك عنه . وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب . كإعادة ( ما أنزل الله ) { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي : عن الحكم المنزل وأرادوا غيره { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } يعني : بذنب التولي عن حكم الله ، وإرادة خلافه ، فوضع ( ببعض ذنوبهم ) موضع ذلك وأراد : أن لهم ذنوباً جمة كثيرة العدد . وأن هذا الذنب - مع عظمة - بعضُها وواحد منها … وهذا الإبهام لتعظيم التولي , واستسرافهم في ارتكابه , ونحو ( البعض ) في هذا الكلام ما في قول لبيد ( أو يرتبطْ بَعْضَ النفوس حِمَامُهَا … ! ) أراد نفسه ، وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام . كأنه قال : نفساً كبيرة ونفساً أيّ نفس . فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية , فكذلك إذا صرح بالبعض . كذا في ( الكشاف ) . وفي ( الحواشي ) : ومثل هذا قوله تعالى : { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } [ البقرة : 253 ] أراد محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ وقيل : ذلك من الخصوص الذي أريد به العموم ؛ وقيل : أراد العذاب في الدنيا . وأما في الآخرة فإنه يعذب بجميع الذنوب . ولقد تلطف القائل : @ وأقول بعض الناس عنك كناية خوفَ الوشاة ، وأنت كلُّ الناس @@ { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } أي : لمتمردون في الكفر معتقدون فيه ؛ وهذا تسجيل عليهم بالمخالفة . يعني : إن التوليّ عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر . والجملة اعتراض تذييليّ مقرر لمضمون ما قبله . ونظيرها قوله تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] ، وقوله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] . روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد ، وابن صلوما ، وعبد الله بن صوريا ، وشاس بن قيس ، بعضُهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه . فأتوه فقالوا : يا محمد ، إنك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم . وإنا - إن اتبعناك - اتبعنا يهودُ ، ولم يخالفونا . وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ونصدقك . فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله عزّ وجلَّ فيهم : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ … } الآية .