Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 50-50)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } أي : يريدون منك . قال أبو السعود : إنكار وتعجب من حالهم وتوبيخ لهم . و ( الفاء ) للعطف على مقدر يقتضيه المقام . أي : أيتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية . وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكد الإنكار والتعجيب ؛ لأن التوليّ عن حكمه عليه الصلاة والسلام . وطلب حكم آخر , منكر عجيب . وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب . والمراد بـ ( الجاهلية ) إمّا الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى , الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام ، فيكون تعييراً لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم , يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي . وإما أهل الجاهلية , وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى . انتهى . { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } أي : قضاء { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي : ينظرون بنظر اليقين إلى العواقب . والاستفهام إنكار لأن يكون أحدٌ حكمُه أحسن من حكمه تعالى أو مساوياً له . قال ابن كثير : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم - المشتمل على كل خير , الناهي عن كل شرّ - وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ؛ كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم , وكما يحكم به التتارُ مِنَ السياسات الملكية المأخوذة عن جنكز خان الذي وضع لهم ( الياسق ) وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى , من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها . وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه , فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله . فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير . قال الله تعالى : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } ، أي : يبتغون ويريدون , وعن حكم الله يعدلون , { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن , وعلم أن الله تعالى أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ؟ فإنه تعالى هو العالم بكل شيء , القادر على كل شيء , العادل في كل شيء . روى ابن أبي حاتم عن الحسن قال : من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية . وكان طاوس إذا سأله رجل : أفضل بين ولدي في النحل ؟ قرأ : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ … } الآية . وروى الطبرانيّ : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية ، وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه " ورواه البخاريّ بزيادة . انتهى كلام ابن كثير . قال بعض مفسّري الزيدية . اشتمل قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ … } [ المائدة : 48 ] إلى قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، على عشرين وجهاً من التأكيد في ملازمة شريعة نبيّنا صلى الله عليه وسلم التي أنزلنا الله تعالى , واختاره لأمته , واستأثر بكثيرٍ من أسرارها فلم يُطَّلَع عليها , وما أشدّ امتثال ما تضّمنته ؟ وكيف الخروج عن عهدته خصوصاً على الأئمة والحكام ؟ ولن يحصل ذلك حتى يلجم نفسه بلجام الحق , ويعزل عن نفسه مطالعة الخلق , لهذه الجملة . لا يقال : إنه صلى الله عليه وسلم معصوم لا يتبع أهواءهم , فكيف نهى عما يعلم الله أنه لا يفعله ؟ قال الحاكم : ذلك مقدور له , فيصحّ النهي وإن علم أنه لا يفعله . وقيل : الخطاب له والمراد غيره . كذلك لا يقال : قوله : { ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 49 ] يخرج من ذلك القياس . لأن ذلك - إن جعل خطاباً له عليه الصلاة والسلام - فلم يكن متعبّداً بالقياس . وإن كان خطاباً للكل فالقياس ثابت بالدليل فهو بمثابة المنزل . هكذا ذكر الحاكم . والأكثر : أنه يجوز منه عليه الصلاة والسلام الاجتهاد , ومنعه آخرون . وقوله تعالى : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } [ المائدة : 48 ] قد يستدل به على أن الواجبات على الفور . وهو محتمل ؛ لأن المراد قبل أن يسبق عليكم الموت . انتهى . وفي ( الإكليل ) : استدلّ به على أن تقديم العبادات أول وقتها أفضل من تأخيرها . انتهى . وقد روى مسلم عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبرّ الوالدين " . وروى أبو داود والترمذيّ والحاكم عن أم فروة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها " .