Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 73-73)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } أي : أحد ثلاثة آلهةٍ ، بمعنى واحد منها ، وهم الله ومريم وعيسى . قال بعضهم : كانت فرقة منهم تسمى ( كولي ري دينس ) تقول : الآلهة ثلاثة : الأب والابن ومريم . وجاء في كتاب ( علم اليقين ) : أن فرقة منهم تسمى ( المَرْيَمييِّن ) قال : يعتقدون أن المريم والمسيح إلهان . قال : وكذلك البربرانيّون وغيرهم . انتهى . وأسلفنا عن ابن إسحاق أنّ نصارى نجران ، منهم من قال بهذا أيضاً . أو المعنى : أحد ثلاثة أقانيم كما اشتهر عنهم . أي : هو جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم . أب وابن وروح القدس . وزعموا ، أن الأب إله والابن إله والروح إله والكلّ إله واحد . كما قدمنا عنهم في قوله تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } [ النساء : 171 ] . قال الرازيّ رحمه الله : واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل . فإن الثلاثة لا تكون واحداً ، والواحد لا يكون ثلاثة . ولا يرى في الدنيا مقالة أشدّ فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى . انتهى . وقد صنفت عدة مصنفات في تزييف معتقدهم هذا ، وهي شهيرة متداولة ، والحمد لله . لطيفة اتفق النحاة واللغويون على أن معنى قولهم : ثالث ثلاثة ورابع أربعة … ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقاً . لا الوصف بالثالث والرابع . وفي التوضيح وشرحه : لك في اسم الفاعل المصوغ من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما أن تستعمله على سبعة أوجه : أحدها : أن تستعمله مفرداً عن الإضافة ، ليفيد الاتصاف بمعناه . فتقول : ثالث ورابع ، ومعناه حينئذٍ واحد موصوف بهذه الصفة وهي كونه ثالثاً ورابعاً . الوجه الثاني : أن تستعمله مع أصله الذي صيغ هو منه ، ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير . فتقول : خامس خمسة أي : واحد من خمسة لا زائد عليها ، ويجب حينئذٍ إضافته إلى أصله . كما يجب إضافة البعض إلى كله . كـ : يد زيدٍ ، قال تعالى : { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } [ التوبة : 40 ] وقال تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } . وزعم الأخفش وقطرب والكسائيّ وثعلب أنه يجوز إضافة الأول إلى الثاني ، ونصبه إياه . فعلى هذا يجوز ثالث ثلاثةٍ بجرّ " ثلاثة " ونصبها . كما يجوز في ( ضارب زيد ) . الوجه الثالث : أن تستعمله مع ما دون أصله الذي صيغ منه بمرتبة واحدة ، ليفيد معنى التصيير ، فتقول : هذا رابع ثلاثة أي : جاعل الثلاثة بنفسه أربعة ؛ قال تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] ، أي : إلا هو مصيرهم أربعة ومصيرّهم ستة . ويجوز حينئذ إضافته وإعماله ، كما يجوز الوجهان في جاعل ومصير ونحوهما . وانظر تتمة الأوجه . وبما ذكرناه يعلم ردّ ما ذهب إليه الجامي في ( شرح الكافية ) من اعتبار الصفة في نحو ( ثالث ثلاثة ) حيث قال في شرح قول ابن الحاجب ( ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ) : أي : أحدها . لكن لا مطلقاً . بل باعتبار وقوعه في المرتبة الثالثة . قال : وإلا يلزم جواز إرادة الواحدِ الأولَ من عاشر العشرة وذلك مستبعد جداً . انتهى . فكتب عليه بعض المحققين ما نصّه : الظاهر من عبارة ( التوضيح ) ومن كلام المصنف أنه لا يعتبر الوقوع في المرتبة الثانية أو الثالثة وهكذا … إذ يبعد في الآيتين كون المراد بـ { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } [ التوبة : 40 ] و { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } كونه في المرتبة الثانية أو الثالثة بل المراد أنه بعض تلك العدّة ، بلا نظر لكونه في المرتبة الثانية أو الثالثة . إلا أن يكون هذا باعتبار الوضع ، وإن كان الاستعمال بخلافه . ولذا كتب العلامة عبد الحكيم على قوله ( وذلك مستبعدٌ جدّاً ) أي : عند العقل ، وإلا فالاستعمال بخلافه . انتهى . { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ } في نصّ الإنجيل والتوراة وجميع الكتب السماوية ودلائل العقل { إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لا يتعدد أفراداً ولا أجزاء { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } من هذا الافتراء والكذب ، بعد ظهور الدلالة القطعية ، متمسكين بمتشابهات الإنجيل التي أوضحتها محكماتُهُ { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة . من عذاب الحريق والأغلال والنكال . قال الزمخشريّ : ولم يقل ( ليمسنهم ) ؛ لأن في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة . وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } وفي البيان فائدة أخرى . وهي الإعلام في تفسير { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } أنهم بمكان من الكفر .