Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 29-29)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } قال ابن جرير : أي : ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا وهو قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] ، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها . { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي : فلا أعذب أحداً بذنب غيره ، ولكن بذنبه بعد قيام الحجة عليه . قال القاشانيّ : { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ } حيث وهبت الاستعداد ، وأنبأت على الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه ، بل أنتم الظالمون أنفسكم باكتساب ما ينافيه ، وإضاعة الاستعداد بوضع النور في الظلمة ، واستبدال ما يفنى بما يبقى . تنبيهات الأول : ظاهر الآيات أن هذا التقاول على حقيقته ؛ إذ لا مانع منها . وذهب بعض المفسرين إلى أنها مجاز . قال القاشانيّ : هذه المقاولات كلها معنوية ، مثلت على سبيل التخييل والتصوير ، لاستحكام المعنى في القلب ، عند ارتسام مثاله في الخيال ، فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان ، وإنكار الشيطان إياه ، عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه : الوهمية والعقلية ، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه : كالغضبية والشهوية مثلاً ؛ ولهذا قال : { لاَ تَخْتَصِمُواْ } ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية ، كان أصل التخاصم بينهما ، وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر ، لتوقع نفع أو لذة ، يتوقفان ما دام مطلوبهما حاصلاً ، فإذا حرما أوقعا بسعيهما في خسران وعذاب ، تدارءا ، أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى الآخر ، لاحتجابهما عن التوحيد ، وتبرؤ كل منهما عن ذنبه لمحبة نفسه . ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبيّ عليه السلام : ورأيت أهل النار يتعاورون . وصوّب عليه السلام قوله . انتهى . الثاني : إن قلت : لم طرحت الواو من جملة { قَالَ قرِينُهُ } وذكرت في الأولى ؟ قلت : لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول ، كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون . فإن قلت : أين المقاولة ؟ قلت : لما قال قرينة { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } وتبعه قوله : { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } وتلاه { لاَ تَخْتَصِمُواْ } - علم أن ثَمَّ مقاولة من الكافر ، لكنها طرحت للدلالة عليها من السياق كأنه لما قال القرين { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } ، قال الكافر : ربِّ هو أطغاني ، فلما قال الكافر ذلك ، قال القرين : { مَآ أَطْغَيْتُهُ } فلما حكى قول القرين والكافر ، كأن قائلاً يقول : فماذا قال الله تعالى ؟ فقيل : { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } . وذكر الواو في الجملة الأولى لأنها أول المقاولة ، ولا بد من عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين ، وقول قرينه ما قاله له - هذا ملخص ما في الكشاف . الثالث : جوز قوله تعالى : { بِٱلْوَعِيدِ } أن تكون الباء زائدة في المفعول ، وأن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول ، والباء للملابسة ، أو المعية ، والمعنى : قدمت هذا القول موعداً لكم به ، أو حال كون القول ملتبساً بالوعيد ، أو من { لاَ تَخْتَصِمُواْ } على تأويل تقديم الوعيد بالعلم به ، أي : لا تختصموا عالمين به ؛ وذلك لتصح الحالية ، ويكون بينها وبين عاملها مقارنة على اصطلاحهم . الرابع : دل قوله تعالى : { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } على أنه لا خلف في إيعاد الله تعالى ، كما لا إخلاف في ميعاد الله . وهذا يرد على المرجئة ، حيث قالوا : ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف ، لا يحقق الله شيئاً منه ، وقالوا : الكريم إذا وعد أَنْجَزَ ووفّى ، وإذا أوعد أخلف وعفا - أفاده الرازيّ . ووجه الاستدلال أنه لو صح ما ذكروه للزم تبديل قوله تعالى ، والخلف في أخباره - تقدس عن ذلك - مع أن طبيعة الذنب تقتضي العقوبة ، إلا أن يتاب منه ، أو يشاء تعالى العفو عنه . الخامس : ذكروا في سر المبالغة في { بِظَلاَّمٍ } وجوهاً : منها : أن " فعّالاً " قد ورد بمعنى ( فاعل ) ، فهذا منه . ومنها : اعتبار كثرة الخلق . ومنها : أن المنسوب في المعتاد إلى الملوك من الظلم تحت ظلمهم ، إن عظيماً فعظيم ، وإن قليلاً فقليل ، فما كان ملك الله تعالى على كل شيء ملكه ، قدس ذاته عما يتوهم مخذول ، والعياذ بالله ، أنه منسوب إليه من ظلم تحت شمول كل موجود .