Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 39-39)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي : إلا سعيه وكسبه . تنبيهات الأول : قال ابن جرير : إنما عنى بقوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب يوم القيامة ! يقول : ألم يخبر قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان ، بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي : وأنه لا يجازَى عامل إلا بعمله ، خيراً كان أو شراً . انتهى . وظاهر السياق يشعر بنزول الآيات ردّاً على ما كانوا يتخرصونه ويتمنونه ، ويتحكمون فيه على الغيب لجاجاً وجهلاً . ومع ذلك فمفهومها الشموليّ جليّ . الثاني : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : استدل به على عدم دخول النيابة في العبادات عن الحيّ والميت . واستدل به الشافعيّ على أن ثواب القراءة لا يلحق الأموات . انتهى . وقال ابن كثير : ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعيّ رحمه الله ومن تبعه ، أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه . وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما . وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم يُنتفع به " فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكدّه وعمله ، كما جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " ، والصدقةُ الجارية - كالوقف ونحوه - هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ … } [ يس : 12 ] . والعلم الذي نشره في الناس ، فاقتدى به الناس بعده ، هو أيضاً من سعيه وعمله . وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً " انتهى . الثالث : قال الرازيّ : المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة ، أو بيان كل عمل . نقول : المشهور أنها لكل عمل ، فالخير مثاب عليه ، والشر معاقب به ، والظاهر أنه لبيان الخيرات ، يدل عليه اللام في قوله تعالى : { لِلإِنسَانِ } فإن اللام لعود المنافع ، و ( على ) لعود المضار ، تقول : هذا له ، وهذا عليه ؛ ويشهد له ، ويشهد عليه ، في المنافع والمضارّ . وللقائل الأول أن يقول بأن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل ، كجموع السلامة تذكّر ، إذا اجتمعت الإناث مع الذكور . وأيضاً يدل عليه قوله تعالى : { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } [ النجم : 41 ] و { ٱلأَوْفَىٰ } لا يكون إلا في مقابلة الحسنة ، وأما في السيئة فالمثل أو دونه ، أو العفو بالكلية . انتهى .