Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 3-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } إيماء بأن خلق البشر ، وما تميز به عن سائر الحيوان من البيان - وهو التعبير عما في الضمير ، وإفهام الغير - لما أدركه لتلقي الوحي , وتعرف الحق ، وتعلم الشرع ، أي : فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك ، اقتضى اتصاله بالقرآن ، وتنزيله الذي هو منبعه ، وأساس بنيانه . قال الزمخشريّ : وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد ، كما تقول : زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذلّ ، كثرك بعد قلة ، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد ، فما تنكر من إحسانه ؟ وهذا - كما قال الشهاب - مصحح . والمرجح الإشارة إلى أن كلاًّ منهما نعمة مستقلة تقتضي الشكر ، ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه . ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبها ، ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة . وقال الأصفهانيّ في ( الذريعة ) : لما كان للنطق أشرف ما خص به الإنسان ، فإن صورته المعقولة التي بها باين سائر الحيوان ، قال عز وجل : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } ولم يقل : ( وعلمه ) إذ جعل قوله : { عَلَّمَهُ } تفسيراً لقوله : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } تنبيهاً أن خلقه إياه هو تخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لكانت الإنسانية مرتفعة ، ولذلك قيل : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة . وقيل : المرء مخبوء تحت لسانه . قال الشاعر : @ لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُهُ فلم يبق إلا صورةُ اللحم والدّمِ @@ أي : إذا توهم ارتفاع النطق الذي هو باللسان ، والقوة الناطقة التي هي بالفؤاد ، لم يبق إلا صورة اللحم والدم . فإذا كان الإنسان هو اللسان فلا شك أن من كان أكثر منه حظاً كان أكثر منه إنسانية . والصمت من حيث ما هو صمت مذموم ، فذلك من صفات الجمادات ، فضلاً عن الحيوانات . وقد جعل الله تعالى بعض الحيوانات بلا صوت ، وجعل لبعضها صوتاً بلا تركيب ، ومن مدح الصمت فاعتباراً بمن يسيء في الكلام ، فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين والدنيا ، فإذا ما اعتبروا بأنفسهما ، فمحال أن يقال في الصمت فضل ، فضلاً أن يخاير بينه وبين النطق . وسئل حكيم عن فضلهما فقال : الصمت أفضل حتى يحتاج إلى النطق وسئل آخر عن فضلهما فقال : الصمت عن الخنا أفضل من الكلام بالخطا . وعنه أخذ الشاعر : @ الصَّمْتُ ألْيَِقُ بالفَتَى من منطقٍ في غَيْرِ حِينهْ @@ انتهى . وقد جوّز - كما حكاه الشهاب - أن يكون { ٱلرَّحْمَـٰنُ } خبر محذوف ، أي الله الرحمن ، وما بعده مستأنف لتعديد نعمه . ثم قال : و ( عَلَّمَ ) من التعليم ، ومفعوله مقدر ، أي علّم الإنسان ، لا جبريل أو محمداً عليهما الصلاة والسلام ، وليس ( من العلامة من غير تقدير ) كما قيل ، أي جعله علامة وآية لمن اعتبر - لبُعْدٍ .