Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 10-10)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : يرث كل شيء فيهما ، ولا يبقى لأحد مال . وإذا كان كذلك ، فما أجدر أن ينفق المرء في حياته ، ويتخذه ذخراً يجده بعد مماته . قال الشهاب : هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق ؛ لأنه قرنه بالإيمان أولاً لما أمرهم به ، ثم وبخهم على ترك الإيمان ، مع سطوع براهينه ، وعلى ترك الإنفاق في سبيل من أعطاه لهم ، مع أنهم على شرف الموت ، وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه . وسبيل الله كل خير يوصلهم إليه ، أعم من الجهاد وغيره . وقصر بعضهم إياه على الجهاد ؛ لأنه فرده الأكمل ، وجزؤه الأفضل ، من باب قصر العامّ على أهم أفراده وأشملها ، لا سيما وسبب النزول كان لذلك . { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } أي : من قبل فتح مكة ، أو صلح الحديبية ، وقاتل لتعلو كلمة الحق . ومن أنفق من بعد وقاتل في حال قوة الإسلام ، وعزة أهله . فحذف الثاني لوضوح الدلالة عليه . فإن الاستواء لا يتم إلا بذكر شيئين . على أنه أشير إليه بقوله مستأنفاً عنهم ، زيادة في التنويه بهم : { أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ } أي : لعظم موقع نصرة الرسول ، صلوات الله عليه ، بالنفس ، وإنفاق المال في تلك الحال ، وفي المسلمين قلة ، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد ، فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد ، بخلاف ما بعد الفتح ، فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قوياً ، والكفر ضعيفاً . ويدل عليه قوله تعالى : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } [ التوبة : 100 ] وقوله عليه السلام : " لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحُد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " وهذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم . أفاده الرازي . وفي ( الإكليل ) : في الآية دليل على أن للصحابة مراتب ، وأن الفضل للسابق ، وعلى تنزيل الناس منازلهم ، وعلى أن أفضلية العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين ؛ لأن الأجر على قدر النصب . انتهى . { وَكُلاًّ } أي : وكل واحد من الفريقين { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : المثوبة الحسنى ، وهي الجنة ، لا الأولين فقط ، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء . قال ابن كثير : وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر ، فيمدح الأول دون الآخر ، فيتوهم متوهم ذمه ، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه ، مع تفضيل الأول عليه . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : من النفقة في سبيله ، وجهاد أعدائه ، وغير ذلك فيجازيكم على جميع ذلك . قال ابن كثير : ولخبرته تعالى ، فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل , ومن فعل ذلك بعد ذلك . وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول ، وإخلاصه التامّ ، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق . وفي الحديث : " سبق درهم مائة ألف " ولا شك عند أهل الإيمان أن الصّدّيق أبا بكر رضي الله عنه ، له الحظّ الأوفر من هذه الآية ، فإنه سيّد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء ، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل ، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها . وقوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } .