Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 4-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قال القاشانيّ : أي من الأيام الإلهية ، وقيل : المعهودة - والله أعلم . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال ابن جرير : أي هو الذي أنشأ السماوات السبع والأرضين ، فدبّرهن وما فيهن ، ثم استوى على عرشه ، فارتفع عليه وعلا . { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : من خلقه كالأموات والبذور والحيوانات { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } أي : كالزروع { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : من الأمطار والثلوج والبرد والأقدار والأحكام { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي : من الملائكة والأعمال وغيرهما . { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } قال ابن جرير : أي وهو شاهد لكم ، أينما كنتم ، يعلَمكم ويعلَم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم ، وهو على عرشه فوق سماواته السبع . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ( شرح حديث النزول ) : لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة ، في آيتيهما ، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم . قالوا : هو معهم بعلمه . وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره ؛ أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله . وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوريّ وأحمد بن حنبل وغيرهم . قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية : هو على العرش وعلمه معهم ، وهكذا عمن ذكر معه . وقد بسط الإمام أحمد الكلام على المعية في ( الرد على الجهمية ) . ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاماً كما في هاتين الآيتين ، وجاء خاصاً كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] وقوله : { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] وقوله : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40 ] فلو كان المراد بذاته مع كل شيء ، لكان التعميم يناقض التخصيص ، فإنه قد علم أن قوله : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40 ] أراد به تخصيصه وأبا بكر ، دون عدوّهم من الكفار . وكذلك قوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] خصهم بذلك دون الظالمين والفجار . وأيضاً ، فلفظ المعية ، ليست في لغة العرب ، ولا شيء من القرآن ، أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى ، كما في قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } [ الفتح : 29 ] وقوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 146 ] وقوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } [ التوبة : 119 ] وقوله : { وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } [ الأنفال : 75 ] ومثل هذا كثير . فامتنع أن يكون قوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ } [ الحديد : 4 ] يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق . وأيضاً ، فإنه افتتح الآية بالعلم ، وختمها بالعلم ، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به . وقد بُسِط الكلام عليه في موضع آخر ، وبيّن أن لفظ المعية في اللغة ، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة ، فهو إذا كان مع العباد ، لم يناف ذلك علوّه على عرشه ، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه . فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ، ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد . انتهى . وقال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسيّ رضي الله عنه في كتاب ( ذم التأويل ) : فإن قيل : فقد تأولتم آيات وأخباراً ، فقلتم في قوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [ الحديد : 4 ] أي بالعلم ، ونحو هذا من الآيات والأخبار ، فيلزمكم ما لزمنا ؟ قلنا : نحن لم نتأول شيئاً ، وحملُ هذه اللفظات على هذه المعاني ليس بتأويل ؛ لأن التأويل صرف اللفظ عن ظاهره ، وهذه المعاني هي الظاهر من هذه الألفاظ ، بدليل أنه المتبادر إلى الأفهام منها . وظاهر اللفظ هو ما يسبق إلى الفهم منه ، حقيقة كان أو مجازاً ؛ ولذلك كان ظاهر الأسماء العرفية ، المجاز دون الحقيقة ، كاسم الرواية والظعينة وغيرهما من الأسماء العرفية ، فإن ظاهر هذا ، المجاز دون الحقيقة . وصرفها إلى الحقيقة يكون تأويلاً يحتاج إلى دليل . وكذلك الألفاظ التي لها عرف شرعيّ ، وحقيقة لغوية ، كالوضوء والطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج ، إنما ظاهرها العرف الشرعيّ دون الحقيقة اللغوية . وإذا تقرر هذا ، فالمتبادر إلى الفهم من قولهم : ( إن الله معك ) أي : بالحفظ والكلاءة ؛ ولذلك قال الله تعالى فيما أخبر عن نبيّه : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40 ] وقال لموسى : { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] ، ولو أراد أنه بذاته مع كل أحد لم يكن لهم بذلك اختصاص ، لوجوده في حق غيرهم ، كوجوده فيهم ، ولم يكن ذلك موجباً لنفي الحزن عن أبي بكر ، ولا علة له . فعلم أن ظاهر هذه الألفاظ هو ما حملت عليه ، فلم يكن تأويلاً . ثم لو كان تأويلاً فما نحن تأوّلناه ، وإنما السلف رحمة الله عليهم ، الذين ثبت صوابهم ، ووجب اتباعهم ، هم الذين تأوّلوه . فإن ابن عباس والضحاك ومالكا وسفيان وكثيراً من العلماء قالوا في قوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ } أي : علمه . ثم قد ثبت بكتاب الله ، والمتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف ؛ أن الله تعالى في السماء على عرشه ، وجاءت هذه اللفظة مع قرائن محفوفة بها دالة على إرادة العلم منها ، وهو قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ المجادلة : 7 ] ثم قال في آخرها : { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ المجادلة : 7 ] . فبدأها بالعلم ، وختمها به ، ثم سياقها لتخويفهم بعلم الله تعالى بحالهم ، وأنه ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ويجازيهم عليه ، وهذه قرائن كلها دالة على إرادة العلم ، فقد اتفق فيها هذه القرائن ، ودلالة الأخبار على معناها ، ومقالة السلف وتأويلهم . فكيف يلحق بها ما يخالف الكتاب والأخبار ومقالات السلف ؟ فهذا لا يخفى على عاقل إن شاء الله تعالى ، وإن خفي فقد كشفناه وبيّنّاه بحمد الله تعالى . ومع هذا لو سكت إنسان عن تفسيرها وتأويلها لم يخرج ولم يلزمه شيء ، فإنه لا يلزم أحداً الكلام في التأويل إن شاء الله تعالى . انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : فيجازيكم عليه .