Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 3-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي : يرجعون إلى لفظ الظهار ثانية ، فالقول على حقيقته ، أو يعزمون على غِشيانهن ووطئهن رغبة في تحليلهن ، بعد تحريمهن ، فالقول بمعنى المقول فيه : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } روى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت ثعلبة قالت : فيّ والله ! وفي أوس بن صامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت : " كنت عنده ، وكان شيخاً كبيراً ، قد ساء خلقه وضجر . فدخل عليّ يوماً فراجعته بشيء ، فغضب فقال : أنت عليّ كظهر أمي . قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل عليّ ، فإذا هو يريدني على نفسي . قالت : قلت : والذي نفسي خويلة بيده ! لا تخلص إليّ وقد قُلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم . قالت : فواثبني ، فامتنعت منه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ، فألقيته عني . قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي ، فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه . قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير ، فاتقي الله فيه " . قالت : فوالله ، ما برحت حتى نزل فيّ القرآن ، فتغشى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ، ثم سرِّي عنه ، فقال لي : " يا خويلة ، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك " . ثم قرأ علي : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ المجادلة : 1 ] إلى قوله تعالى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مريه فليعتق رقبة " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، ما عنده ما يعتق ! قال : " فليصم شهرين متتابعين " . قالت : فقلت : والله ! إنه لشيخ كبير ، ما به من صيام . قال : " فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر " . قالت : فقلت : والله ! يا رسول الله ما ذاك عنده . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنا سنعينه بفرق من تمر " . قالت : فقلت : يا رسول الله ! وأنا سأعينه بفرق آخر . قال : " قد أصبت وأحسنت ، فاذهبي فتصدقي به عنه ، ثم استوصي بابن عمك خيراً " . قالت : ففعلت " . ورواه أبو داود : وعنده ( خولة بنت ثعلبة ) ، ولا منافاة كما تقدم ، فإن العرب كثيراً ما تصغّر الأعلام . وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : " كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية : أنت عليّ كظهر أمي ، حرمت في الإسلام . فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس , وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة ، فظاهر منها ، فأسقط في يديه ، وقال : ما أراك إلا قد حرُمت عليّ ، وقالت له مثل ذلك . قال : فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه ، فأخبرته فقال : " يا خويلة ، ما أُمِرنْا في أمرك بشيء " . فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا خويلة ، أبشري " . قالت : خيراً . قال : فقرأ عليها { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ … } إلى قوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } . قالت : وأيّ رقبة لنا ؟ والله ، ما نجد رقبة غيري ! قال : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } قالت : والله ، لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره . قال : { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } . قالت : من أين ؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها ! قال : فرعاه بشطر وسق ثلاثين صاعاً ، والوَسق : ستون صاعاً ، فقال : " ليطعم ستين مسكيناً وليراجعك " قال ابن كثير : إسناده جيّد قويّ ، وسياق غريب . وقد روي عن أبي العالية نحو هذا . تنبيهات قال السيوطي في ( الإكليل ) : في هذه الآية حكم الظهار ، وأنه من الكبائر ، وأنه خاص بالزوجات ، دون الأجنبيات ، وأن فيه بالعود كفارة ، وأنه يحرم الوطء قبلها ، وأنها مرتبة : العتقُ ، ثم صوم شهرين متتابعين ، ثم إطعام ستين مسكيناً . واستدلّ مالك بقوله : { مِنكُمْ } على أن الكافر لا يدخل في الحكم ، وبقوله : { مِن نِّسَآئِهِمْ } على صحته من الزوجات والسراريّ ، لشمول النساء لهنّ . واستدلّ ابن جرير وداود وفرقة بقوله : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } على أن العود الموجب للكفارة ، أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرر . واستدلّ بإطلاق الرقبة في كفارة الظهار عتق الكافرة . واستدلّ بظاهر الآية من لم ير الظهار إلا في التشبيه بظهر الأمّ خاصّة ، دون سائر الأعضاء ، ودون الاقتصار على قوله : ( كأمي ) ، وبالأم خاصة دون الجدّات وسائر المحارم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة والأب والابن ونحو ذلك . ومن قال لا حكم لظهار الزوجة من زوجها ، لأنه تعالى خص الظهار بالرجل . ومن قال بصحة ظهار العبد لعموم { وَٱلَّذِينَ } له . ومن قال بإباحة الاستمتاعات بناء على عدم دخولها في لفظ المماسّة . ومن قال يجوز الوطء ونحوه قبل الإطعام إذا كان يكفر به ، لأنه لم يذكر فيه { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } . وفي الآية ردٌّ على من أوجب الكفارة بمجرد لفظ الظهار ، ولم يعتبر العود . ووجه ما قاله أنه جعل العود فعله في الإسلام بعد تحريمه . وفيها رد على من اكتفى بإطعام مسكين واحد ، ستين يوماً . انتهى . وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } أي : الحكم بالكفارة العظمى المذكورة ، تزجرون به . وقوله تعالى : { ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي : ذلك البيان أو التعليم للأحكام ، لتصدّقّوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ، والانتهاء عن قول الزور الجاهليّ . والمراد بقوله تعالى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الجاحدون لفرائضه وحدوده التي بيّنها . فالكفر على حقيقته ، أو المتعدّون لها ، وعنوان ( الكفر ) تغليظاً لزجرهم .