Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 5-5)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : في مخالفة حدوده وفرائضه . وأصله من المحادّة ، بمعنى المعاداة ؛ لأن كُلاً من المتعاديين في حدّ غير حدّ الآخر . { كُبِتُواْ } أي : أُخْزُوا { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني : كفار الأمم الماضية . { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } قال ابن جرير : أي : دلالات مفصّلات ، وعلامات محكمات ، تدلّ على حقائق حدود الله . { بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يعني : منكري تلك الآيات وجاحديها . تنبيه فسّر بعضهم { يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بمعنى يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما . قال محشّيه : ففيه وعيد عظيم للملوك ، وأمراء السوء ، الذين وضعوا أموراً خلاف ما حدّه الشرع ، وسموها قانوناً . وقال : وقد صنّف العارف بالله تعالى الشيخ بهاء الدين ، قدّس الله روحه ، رسالة في كفر من يقول : يعمل بالقانون والشرع ، إذا قابل بينهما ، وقد قال الله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا تقبل التكميل ، وإذا جاء نهر الله ، بطل نهر معقل . انتهى كلامه . ولا يخفى أن إطلاق الكفر لمجرد ذلك من غير تفصيل ، فيه نظر . لأنه من تنطع الغالين من الفقهاء ، الذين زيّف أقوالهم في التكفير كثير من العلماء النحارير ، فإن التكفير ليس بالأمر اليسير . والحق في ذلك أن القانون الذي يهدم نصوص الشرع التي لا تحتمل التأويل ويبطلها وينسخها ، فإنه كفر وضلال . لا يقول به ، ولا يعول عليه ، إلا المارقون الجاحدون . وأما غير المنصوص عليه ، أعني ما لم يكن قاطعاً في بابه ، من آية محكمة ، أو خبر متواتر ، أو إجماع من الفروع النظرية ، والمسائل الاجتهادية المدوّنة ، فمخالفتها إلى قانون عادل لا يعدّ ضلالاً ولا كفراً ؛ لأنه ليس من مخالفة الشرع في شيء ، إذ الشرع ما شرعه الله ورسوله ، وأحكم الأمر فيه ، وبين بيانا رفع كل لبس ، لا ما تخالف فيه الفقهاء ، وكان مأخذه من الاجتهاد ، وإعمال الرأي ، فإن ذلك ، لا عصمة فيه من الخطأ مهما بلغ رائيه من المكانة ، إذ لا عصمة إلا في نص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وكثيراً ما تتشابه فروع الفقهاء بمواد القانون ، ولذا ألف بعض المتأخرين كتاباً في مطابقة المواد النظامية للفروع الفقهية . وذلك لأن مورد الجميع واحد ، وهو الرأي والاجتهاد ورعاية المصلحة . ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب في هذا المعنى سماه ( السياسة الشرعية ) ، وكذا لتلميذه الإمام ابن القيّم ، وهو أوسع . ولنجم الدين الطوفي أيضاً رسالة في المصالح المرسلة ، جمعناها من شرحه للأربعين النووية . وقد أرجع العز بن عبد السلام فروع الفقه في قواعده إلى قاعدتين : اعتبار المصالح ، ودرء المفاسد . قال القاضي زكريا : وبحث بعضهم رجوع الجميع إلى جلب المصالح . وقال الشاطبيّ في ( الموافقات ) : إن الشارع قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية ، وبأن تكون مصالح على الإطلاق ، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبديّاً وكليّاً وعامّاً في جميع أنواع التكليف والمكلفين من جميع الأحوال . وقال نجم الدين الطوفي : إن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " يقتضي رعاية المصالح إثباتاً ونفيا ، والمفاسد نفيا ، إذ الضرر هو المفسدة ، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة ؛ لأنهما نقيضان ، لا واسطة بينهما . ثم إن أقوى الأدلة النص والإجماع ، وهما إما أن يوافقا رعاية المصلحة ، أو يخالفاها ، فإن وافقاها ، فبها ونعمت ، ولا تنازع . إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم ، وهي النص والإجماع ، ورعاية المصلحة المستفادة من قوله عليه السلام : " لا ضرر ولا ضرار " ، وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما ، لا بطريق الافتئات عليهما ، والتعطيل لهما ، كما تُقَدَّم السنّة على القرآن ، بطريق البيان . انتهى . وتتمة كلامه جديرة بالمراجعة ، هي وتعليقاتنا عليها ، فابحث ولا تكن أسير التقليد ، بل ممن ألقى السمع وهو شهيد .