Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 10-10)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } يعني : بالذين جاءوا من بعدهم ، الذين هاجروا حين قوي الإسلام من بعد الذين هاجروا مُخْرَجين من ديارهم . فالمراد مجيئهم إلى المدينة بعد مدة . والمجيء حسيّ . وقيل : هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة . فالمجيء إما إلى الوجود ، أو إلى الإيمان . ونظير هذه الآية ، آية براءة { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ التوبة : 100 ] . قال الشهاب : والمراد بدعاء اللاحق للسابق ، والخلف للسلف ، أنهم متبعون لهم . أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم ، ويذكروهم بالخير . تنبيه جعل الزمخشريّ : قوله : { وَٱلَّذِينَ } عطفاً على { الْمُهَاجِرِينَ } [ الحشر : 8 ] كالموصول قبله في قوله : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا … } [ الحشر : 9 ] إلخ ، فيكون قوله : { يُحِبُّونَ } [ الحشر : 9 ] وقوله : { يَقُولُونَ } حالين . وجوز السمين : وجهاً ثانياً ، وهو كون الموصول فيهما مبتدأ ، وما بعده خبره . وعندي أن هذا هو الوجه ، ما قبله تكلف ، وأن الموصولين مستأنفان لمدح إيمان الأنصار والتابعين لهم بتلك الأخلاق الفاضلة ، والخصال الكاملة . وما حمل الزمخشريّ ومن تابعه على الاقتصار على الوجه الأول إلا لتشمل أصناف من يستحق الفيء من فقراء كلّ ، كأنه قيل : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ … } [ الحشر : 8 ] إلخ ، ( و ) للفقراء { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا … } [ الحشر : 9 ] إلخ وللفقراء الذين جاءوا من بعدهم … إلخ ، مع أن سياق الآيات المذكورة ، ورعاية وقت نزولها ، والمهاجرون في جهد ، والأنصار في سعة ورغد - يقضي بأن المقصود منها للفيء ، هو فقراء المهاجرين خاصة ، وأن الذين تبوؤا الدار في غنى عنه وعدم تشوف إليه ، لشدة محبتهم لإخوانهم ، بل رغبتهم في إيثارهم . ثم بين تعالى حال من يجيء بعدهم بأنه يثني على من سبقه ، ويدعو له ابتهاجاً بما أتوا ، واغتباطاً بما عملوا ؛ لأنهم بين مهاجر عن أهله وأمواله ، محبة في الله ورسوله ، وبين محب لمن هاجر ، مكرم له ، بل مؤثر إياه ، مما أشفّ عن قوة الإيمان ، والإخلاص في تدعيم روابط الإيقان . هذا هو الظاهر من نظم الآيات الكريمة ، وذوق سوقها . وأما فقراء الصنفين الآخرين ، فإنهم يستحقون من الفيء قياساً على الصنف الأول ، لاشتراكهم في الفقر إلا أنه في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يشك أحد من الأنصار في تلك الواقعة فقراً ، إلا سهلاً وأبا دجانة - كما تقدم - فأعطاهما صلى الله عليه وسلم . وأما في غيرها من الوقائع التي كثرت فيها المغانم ، فقد كان حظهم منها ما هو معروف ومبين في آيات أخر ، فإن التنزيل الكريم بيّن مقاسم الأموال لذويها في عدة آيات . روى ابن جرير : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } [ التوبة : 60 ] . حتى بلغ { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 60 ] ثم قال : هذه لهؤلاء ثم قرأ : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ … } [ الأنفال : 41 ] الآية ، ثم قال : هذه الآية لهؤلاء . ثم قرأ : { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [ الحشر : 7 ] حتى بلغ : { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } [ الحشر : 10 ] . ثم قال : استوعبت هذه الآية المسلمين عامة ، فليس أحد إلا له فيها حق . ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي ، وهو يسيّر حُمُره ، نصيبَه ، لم يعرق فيها جبينه .