Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 107-107)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } أي : مع استعدادهم ، ولكن جرت سنته برعاية الاستعدادات ، { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي : هم وإن كان لهم الاستعداد للإيمان في فطرتهم ، وقد أبطلوه ، فأنت وإن كنت داعياً إلى إصلاح الاستعداد الفطريّ ، وما جعلناك متولياً عليهم ، تحفظ مصالحهم ، حتى تكون مصلحاً لاستعدادهم الفطريّ . { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } تدبر عليهم أمورهم ، أو تغيرهم من استعدادهم إلى آخر ، بل هو مفوض إلى الله تعالى ، يفعل بهم بمقتضى استعدادهم الطبيعيّ لهم من غير تغيير له ، بل هو مفوّض إلى اختيارهم - أفاده المهايميّ - . تنبيهان الأول : في قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } دليل على أنه تعالى لا يريد إيمان الكافر ، لكن لا بمعنى أنه تعالى يمنعه عنه ، مع توجهه إليه ، بل بمعنى أنه تعالى لا يريده منه ، لعدم صرف اختياره الجزئيّ نحو الإيمان ، وإصراره على الكفر . والزمخشريّ يفسره بمشيئة إكراه وقسر ؛ لأن عندهم مشيئة الاختيار حاصلة ألبتة . قال النحرير : وهذه عكازته في دفع مذهب أهل السنة . الثاني : قال القاشانيّ في تفسير قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } : أي كل ما يقع ، فإنما يقع بمشيئة الله ، ولا شك أن استعداداتهم التي وقعوا بها في الشرك ، وأسباب ذلك ، من تعليم الآباء والعادات وغيرها ، أيضاً واقعة بإرادة من الله ، وإلا لم تقع . فإن آمنوا بذلك فبهداية الله ، وإلا فهوّن على نفسك ، فما جعلناك تحفظهم عن الضلال ، وما أنت بموكل عليهم بالإيمان . ولا ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما بعد بقوله : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] ؛ لأنهم قالوا ذلك عناداً ودفعاً للإيمان بذلك التعلل ، لا اعتقاداً . فقولهم ذلك ، وإن كان صدقاً في نفس الأمر ، لكنهم كانوا به كاذبين ، مكذبين للرسول ، إذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضاً بإرادة الله ، وكذا كل دين ، فلم يعادوا أحد . ولو علموا أن كل شيء لا يقع إلا بإرادة الله لما بقوا مشركين ، بل كانوا موحدين . لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد ، وإثبات أنه لا يمكنهم الانتهاء عن شركهم ، فلذلك عيرّهم به ، لا لأنه ليس كذلك في نفس الأمر . فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله ، وأنه كما أراد شركهم في الزمان السابق ، لم يرد إيمانهم الآن ، إذ ليس كل منهم مطبوع على القلب ، بدليل إيمان من آمن منهم . فلم لا يجوز أن يكون بعضهم كانوا مستعدين للإيمان والتوحيد ، واحتجوا بالعادة ، وما وجدوا من آبائهم فأشركوا ، ثم إذا سمعوا الإنذار ، وشاهدوا آيات التوحيد ، اشتاقوا إلى الحق ، وارتفع حجابهم فوحّدوا . فلذلك وبخهم على قولهم ، وطلب منهم الحجة على أن الله أرادهم بذلك دائماً ، وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم ، لعل من كان فيه أدنى استعداد ، إذا انقطع عن حجته ، وسمع وعيد من قبله من المنكرين ، ارتفع حجابه ، ولان قلبُه فآمن ، ويكون ذلك توفيقاً له ، ولطفاً في شأنه ، فإن عالم الحكمة يبتني على الأسباب . وأما من كان من الأشقياء المردودين ، المختوم على قلوبهم ، فلا يرفع لذلك رأساً ، ولا يلقي إليه سمعاً . انتهى . وليكن هذا على بال منك ، فالمقام دقيق جداً ، وسيأتي بيانه في الآية الآتية إن شاء الله تعالى .