Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 108-108)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : لا تذكروا آلهتهم ، التي يعبدونها ، بما فيها من القبائح ، لئلا يتجاوزوا إلى الجناب الرفيع . روى عبد الرزاق عن قتادة قال : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فنهوا عنه لذلك . وقال الزجاج : نهوا أن يلعنوا الأصنام التي كانت تعبدها المشركون . انتهى . فـ { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } عبارة عن الآلهة ، والعائد مقدر ، والتعبير بـ { ٱلَّذِينَ } على زعمهم أنهم من أولي العلم ، أو بناء على أن سبّ آلهتهم سبّ لهم ، كما يقال : ضربُ الدابة صفعٌ لراكبها . فإن قيل : إنهم كانوا يقرّون بالله وعظمته ، وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء عنده ، فكيف يسبونه ؟ قلنا : لا يفعلون ذلك صريحاً ، بل يفضي كلامهم إلى ذلك ، كشتمهم له ولمن يأمره بذلك مثلاً . وقد فسر { بِغَيْرِ عِلْمٍ } بهذا ، وهو حسن جداً . أو أن الغيظ والغضب ربما حملهم على سب الله صريحاً . ألا ترى المسلم قد تحمله شدة غضبه بالكفر ؟ ! و ( عَدْواً ) مصدر ، أي : ظلماً وعدواناً . يقال : عدا عليه عدواً ، كـ ( ضرباً ) ، و ( عدواً ) كـ ( عتوّ ) ، و ( عداء ) كـ ( عزاء ) ، و ( عدواناً ) كـ ( سبحان ) إذا تعدى وتجاوز ، وهو مفعول مطلق لـ ( تسبوا ) من معناه ؛ لأن السب عدوان . أو مفعول له ، أو حال مؤكدة مثل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } - كذا في العناية - . تنبيه قال ابن الفرس في الآية : إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم ، أن يسبوا الله أو رسوله أو القرآن ، لم يجز أن يُسَبوا ولا دينهم . قال : وهي أصل في قاعدة سد الذرائع . قال السيوطيّ : وقد يستدل بها على سقوط وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى . وكذا كل فعل مطلوب ترتب على فعله مفسدة أقوى من مفسدة تركه . وقال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية : أن الحَسَن يصير قبيحاً إذا كان يحصل بفعله مفسدة . قال الحاكم : نهوا عن سب الأصنام لوجهين : أحدهما : أنها جماد لا ذنب لها . والثاني : أن ذلك يؤدي إلى المعصية بسبّ الله تعالى . قال : والذي يجب علينا بيان بغضها ، وأنه لا تجوز عبادتها ، وأنها لا تضر ولا تنفع ، وأنها لا تستحق العبادة ، وهذا ليس بسبّ . ولهذا قال أمير المؤمنين ( يوم صفين ) : لا تسبوهم ، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم . انتهى . وقال الزمخشريّ : فإن قلت : سب الآلهة حق وطاعة ، فكيف صح النهي عنه ، وإنما يصح النهي عن المعاصي ؟ قل : رب طاعةٍ عُلِمَ أنها تكون مفسدة ، فتخرج عن أن تكون طاعة ، فيجب النهي عنها لأنها معصية ، لا لأنها طاعة . كالنهي عن المنكر ، هو من أجلّ الطاعات ، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية ، ووجب النهي عن ذلك ، كما يجب النهي عن المنكر . فإن قلت : فقد روي عن الحسن وابن سيرين أنهما حضرا جنازة ، فرأى محمد نساء ، فرجع . فقال الحسن : لو تركنا الطاعة لأجل المعصية ، لأسرع ذلك في ديننا . قلت : ليس هذا مما نحن بصدده ؛ لأن حضور الرجل الجنازة طاعة ، وليس بسبب لحضور النساء ، فإنهن يحضرنها ، حضر الرجال أو لم يحضروا . بخلاف سب الآلهة . وإنما خيل إلى ابن سيرين أنه مثله ، حتى نبه عليه الحسن . انتهى . ومنه قال بعض مفسري الزيدية : واعلم أن المعصية إن كانت حاصلة لا محالة ، سواء فعل الحسن أم لا ، لم يسقط الواجب ، ولا يقبح الحسن . انتهى . وكذا قال الخفاجيّ : إن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة ، وكانت سبباً لها , وجب تركها . بخلاف الطاعة في موضع فيه معصية ، لا يمكن دفعها . وكثيراً ما يشتبهان ؛ ولذا لم يحضر ابن سيرين جنازة اجتمع فيها الرجال والنساء ، وخالفه الحسن للفرق بينهما . انتهى . قال الرازي : وفي الآية تأديب لمن يدعو إلى الدين ، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب ؛ لأن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تضر ولا تنفع ، يكفي في القدح في إلهيتها ، فلا حاجة ، مع ذلك ، إلى شتمها . { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم الماضية على الضلال { عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } أي : بالبعث بعد الموت ، { فَيُنَبِّئُهُمْ } أي : يخبرهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا . وذلك بالمحاسبة والمجازاة عليه . تنبيهات الأول : ذهب أهل السنة إلى ظاهر الآية ، من أن المزيِّن للكافر الكفر ، وللمؤمن الإيمان ، هو الله تعالى . وذلك لأن صدور الفعل من العبد يتوقف على حصول الداعي ، ولا بد أن يكون ذلك الداعي بخلق الله تعالى . وقد بسط الرازيّ ذلك ، وساق تأويلات المعتزلة الركيكة ، فانظره . الثاني : في قوله تعالى : { فَيُنَبِّئُهُمْ } إلخ وعيد بالجزاء والعذاب . كقول الرجل لمن يتوعدة : سأخبرك بما فعلت . الثالث : فيه نكتة سرية , مبنية على حكمة أبيّة , وهي أن كل ما يظهر في هذه النشأة من الأعيان والأعراض , فإنما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التي بها يظهر في النشأة الآخرة . فإن المعاصي سموم قاتلة , قد برزت في الدنيا بصورة تستحسنها نفوس العصاة , كما نطقت به هذه الآية الكريمة , وكذا الطاعات , فإنها مع كونها أحسن الأحاسن , قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة , ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " حُفَّت الجنة بالمكاره , وحفت النار بالشهوات " فأعمال الكفرة قد برزت لهم في هذه النشأة بصورة مزينة تستحسنها الغواة وتستحبها الطغاة . وستظهر في النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة , فعند ذلك يعرفون أن أعمالهم ماذا ؟ فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقية بالإخبار بها , لما أن كلا منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هي . فليتدبر - أفاده أبو السعود - .