Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 109-109)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ } مصدر في موضع الحال . أي : أقسموا به تعالى جاهدين في أيمانهم , باذلين في توثيقها طاقتهم { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ } أي : خارق كما اقترحوا , { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي : أمرها في حكمه وقضائه خاصة , يتصرف بها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة , لا تتعلق بها قدرة أحد ولا مشيئته , حتى يمكنني أن أتصدى لاستنزالها بالاستدعاء . وهذا سدّ لباب الاقتراح على أبلغ وجه وأحسنه , ببيان صعوبة منالها , وعلو شأنها - أفاده أبو السعود - . { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } قرئ ( إنَّهَا ) بالكسر على الاستئناف , والمفعول الثاني محذوف , كأنه قيل : وما يدريكم إيمانهم ؟ ثم أخبرهم بما علم منهم إخباراً ابتدائياً . أو هو جواب سؤال , كأنه قيل : لم وُبِّخوا ؟ فقيل : لأنها إذا جاءت لا يؤمنون ! أو هو مبني على قوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } فإنه أبرز في معرض المحتمل , كأنه سأل عنه سؤال شاكّ , ثم علل بقوله لـ { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } جزما بالطرف المخاف , وبياناً لكون الاستفهام غير جار على الحقيقة . وفيه إنكار لتصديق المؤمنين على وجه يتضمن إنكار صدق المشركين في المقسم عليه . وهذا نوع من السحر البيانيّ , لطيف المسلك . هذا على أن الخطاب للمؤمنين , إذ كانوا يتمنون مجيء الآية طمعاً في إيمانهم . وقيل : هو للمشركين , لقراءة : ( لا تُؤمِنُون ) , فيكون فيه التفات . وقرئ ( أنَّها ) بالفتح , وعليه فقيل : مقتضى حسن ظن المؤمنين بهؤلاء المعاندين , حذف ( لا ) . وتوضيح ذلك بالمثال أنه إذا قيل لك : أكرم زيداً يكافئك , قلت في إنكاره : ما أدراك أني إذا أكرمته يكافئني ؟ ! فإن قيل : لا تكرمه فإنه لا يكافئك , قلت في إنكاره : ما إدراك أنه لا يكافئني ؟ ! تريد : وأنا أعلم منه المكافأة . فمقتضى حسن ظن المؤمنين بالمشركين أن يقال : وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون , فإثبات ( لا ) يعكس المعنى , إلى أن المعلوم لك الثبوت , وأنت تنكر على من نفى . وقد وجه الفتح بستة وجوه : منها : جعل ( لا ) صلة , كقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] ، وقوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] ، أي : يرجعون . وضعّف الزجاج هذا الوجه , بأن ما كان لغواً يكون كذلك على جميع التقديرات , وليس كذلك هنا , فإن ( لا ) على قراءة الكسر ليست بصلة . وأجاب الفارسيّ بأنه لم لا يجوز أن يكون لغواً على أحد التقديرين , ومفيداً على التقدير الثاني ؟ انتهى . ومنها : جعل ( أنّ ) بمعنى ( لعل ) . قال الخليل : تقول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً , أي : لعلك . فكأنه تعالى قال : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون . قال الواحديّ : " أن " بمعنى : " لعل " كثير في كلامهم , قال الشاعر : @ أرِيني جَوَاداً مات هَزْلاً لأنني أرَى مَا تَرَيْنَ أو بخيلاً مخلَّداً @@ وقال عدي بن حاتم : @ أعاذلَ ما يُدْريكِ أن منيتي إلى ساعة في اليومِ أو في ضُحَى الغْدِ @@ ويؤيده أن { يُشْعِرُكُمْ } و { يُدْرِيكَ } [ عبس : 3 ] بمعنى . وكثيراً ما تأتي ( لعل ) بعد فعل الدراية ، نحو { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 3 ] . وفي مصحف أبيّ " وما أدراك لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون " . ومنها : جعل ( أن ) بمعنى : هل . ومنها : جعل الكلام جواب قسم محذوف بناء على أن ( إن ) في جواب القسم يجوز فتحها . والذي ارتضاه الزمخشري وتبعه المحققون حمل الكلام على ظاهره ، وأن الاستفهام في معنى النفي ، والإخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم . والمعنى : وما يدريكم أن الآية التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بها . يعني : أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، وأنتم لا تدرون ذلك . قال في ( الانتصاف ) : لما جاءت الآية تقسم ، ببادي الرأي ، أن الله تعالى علم الإيمان منهم ، وأنكر على المؤمنين نفيهم له ، والواقع على خلاف ذلك . اختلف العلماء ( وساق نحو ما قدمنا في الوجوه ) ثم قال : وأما الزمخشريّ فتفطن لبقاء الآية في ظاهرها وقرارها في نصابها ، من غير حذف ولا تأويل . فقال قوله السالف ، ونحن نوضح اطراده في المثال المتقدم ، ليتضح توجيهه في الآية ، فنقول : إذا حرمت زيدا لعلمك بعدم مكافأته ، فأشير عليك بالإكرام بناء على أن المشير يظن المكافأة ، فلك مع حالتان : حالة تنكر عليه ادعاء العلم بما يعلم خلافه ، وحالة تعذره في عدم العلم بما أحطت به علما ، فإن أنكرت عليه قلت : وما يدريك أنه يكافئ ؟ وإن عذرته في عدم علمه بأنه لا يكافئ قلت : وما يدريك أنه لا يكافئ ، يعني : ومن أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم مكافأته ، وأنت لا تخبر أمره خبري . فكذلك الآية إنما ورد فيها الكلام إقامة عذر للمؤمنين في عدم علمهم بالمغيب في علم الله تعالى ، وهو عدم إيمان هؤلاء ، فاستقام دخول ( لا ) وتعين ، وتبين أن سبب الاضطراب التباس الإنكار بإقامة الأعذار . انتهى . وفي نفي السبب ، وهو الإشعار ، مبالغة في نفي المسبب ، وهو الشعور . قال الخفاجيّ : وفي نفي المسبب بهذا الطريق مبالغة ليست في نفيها بدونها ؛ لأن في الكناية إثبات الشيء ببينة . وفيه تعريض بأن الله عالم بعدم إيمانهم ، على تقدير مجيء الآية المقترحة لهم ، وتنبيه على أنه تعالى لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون . فعدم الإنزال لعدم الإيمان و ( يشعركم وينصركم ) ونحوه ، قُرئ بضم خالص وسكون واختلاس .