Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-145)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } أي : طعاماً محرماً من المطاعم { عَلَىٰ طَاعِمٍ } أي : أيّ طاعم كان من ذكر أو أنثى . رداً على قولهم : { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [ الأنعام : 139 ] وقوله : { يَطْعَمُهُ } لزيادة التقرير { إِلاَّ أَن يَكُونَ } أي : على ذلك الطعام { مَيْتَةً } . قال المهايميّ : والموت سبب الفساد . فهو منجس ، إلا أن يمنع من تأثيره مانع من ذكر اسم الله ، أو كونه من الماء ، أو غيرهما { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } أي : سائلا لا كبداً أو طحالاً { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } لتعوّده أكل النجاسات { أَوْ فِسْقاً } أي : خروجاً عن الدين الذي هو كالحياة المطهّرة { أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي : ذبح على اسم الأصنام ورفع الصوت على ذبحه باسم غير الله وإنما سمي ( ما أُهل به لغير الله ) فسقاً ، لتوغله في باب الفسق ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أي : أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر { غَيْرَ بَاغٍ } أي : على مضطر مثله ، تارك لمواساته { وَلاَ عَادٍ } متجاوز قدر حاجته من تناوله { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لا يؤاخذه . وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة والمائدة بما فيه كفاية . تنبيهات الأول : قال ابن كثير : الغرض من سياق هذه الآية الكريمة الردّ على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك . فأمر تعالى رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه إليه أن ذلك محرم . وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها . وما عدا ذلك فلم يحرم . وإنما هو عفو مسكوت عنه . فكيف تزعمون أنه حرام ؟ ومن أين حرمتموه ولم يحرمه تعالى ؟ وعلى هذا ، فلا ينفي تحريم أشياء أُخَر فيما بعد هذا . كما جاء النهي عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير - انتهى - وبالجملة فالآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجد فيما أوحي إليه إلى تلك الغاية غيره . ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك في شيء آخر ، كالموقوذة والمنخنقة والنطيحة وغيرها . وذلك لأن هذه السورة مكية . فما عدا ما ذكر تحريمه فيها مما حرم أيضاً ، طارئ . قيل : إذا حرم غير ما ذكر كان نسخاً لما اقتضته هذه الآية من تحليله . وجوابه أن ذلك زيادة تحريم وليس بنسخ لما في الآية . فصحّ تحريم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير . ومن الناس من يسمي هذا نسخاً بالمعنى السلفيّ . وقد بيناه مراراً . قال بعض الزيدية : وقد تعلق ابن عباس بالآية في تحليل لحم الحمر الأهلية ، وعائشة في لحوم السباع . وعكرمة في إباحة كل شيء سوى ما في الآية . وعن الشعبيّ ؛ أنه كان يبيح لحم الفيل ويتلو هذه الآية . ولا تعلق لجميعهم بالآية . لأنه تعالى بين ما يحرم في تلك الأحوال . انتهى . وقال السيوطي في ( الإكليل ) : احتج بها كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكور فيها . فمن ذلك الحمر الأهلية . أخرجه البخاري عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن يزيد : يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حُمُر الأهلية . فقال : قد كان يقول ذلك الحكمُ ابن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة . ولكن أبى ذلك البحرُ ( ابن عباس ) : وقرأ : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ … } الآية . وأخرج أبو داود عن ابن عمر أنه سئل عن أكل القنفذ ؟ فقرأ : { قُل لاَّ أَجِدُ … } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم وغيره ، بسند صحيح عن عائشة أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ؟ تَلَتْ : { قُل لاَّ أَجِدُ … } الآية . وأخرج عن ابن عباس أنه قال : ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله في كتابه : { قُل لاَّ أَجِدُ … } الآية . انتهى . وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذّرا . فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرّم حرامه . فما أحل فهو حلال وما حرّم فهو حرام . وما سكت عنه فهو معفوّ . وتلا : { قُل لاَّ أَجِدُ … } الآية . وذكرنا ضعف التعلق بهذه الآية على ما ذهبوا إليه . قال في ( فتح البيان ) : معنى الآية : أنه تعالى أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرّما غير هذه المذكورات . فدل على انحصار المحرمات فيها ، لولا أنها مكية . وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات : المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة . وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ، ونحو ذلك . وبالجملة ، فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات ، كما يدل عليه السياق ويفيده الاستثناء ، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات . وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره ، فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء . وقد رُوي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة : أنه لا حرام إلا ما ذكره الله في هذه الآية . وروي ذلك عن مالك . وهو قول ساقط ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها , مما نزل بعدها من القرآن , وإهمالِ ما صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد نزول هذه الآية . بلا سبب يقتضي ذلك ولا موجب يوجبه . وقول جابر ( لكن أبى ذلك البحر ابن عباس ) في رواية البخاريّ المتقدمة , أقول : وإن أبى ذلك البحر , فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والتمسكُ بقول صحابيٍّ في مقابلة قول النبيّ صلى الله عليه وسلم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف . انتهى كلام الفتح . وفي ( نيل الأوطار ) : الاستدلال بهذه الآية إنما يتمّ في الأشياء التي لم يرد النصّ بتحريمها . وأمّا الحمر الأنسية فقد تواترت النصوص على ذلك . والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس . وأيضاً الآية مكية . انتهى . وقد ثبت عن ابن عمر رجوعه عن التعلق بعمومها . روى سعيد بن منصور والإمام أحمد وأبو داود عن نميلة الفزاريّ قال : " كنت عند ابن عمر , وإنه سئل عن أكل القنفذ فقرأ عليه : { قُل لاَّ أَجِدُ … } الآية . فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة يقول : ذُكِرَ عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " خبيث من الخبائث " فقال ابن عمر : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال " أي : والخبائث محرّمة بنص القرآن , فهو مخصص لعموم هذه الآية . وعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينك كتاب الله . فما وجدنا فيه حلالا استحللناه . وما وجدنا فيه حراما حرمناه . وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله تعالى " أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب . ولأبي داود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه . لا يوشك رجل شبعانٌ على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن , فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه . وما وجدتم فيه من حرام فحرموه . ألا لا يحل لكم ( لحم ) الحمار الأهليّ ولا كل ذي ناب من السبع ولا لُقَطَةُ معاهد ألا أن يستغني عنها صاحبها . ومن نزل بقوم فعليهم أن يقرُوه . فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه " ( أي يأخذ منهم عوضا عما حَرَموه من القرى ) . هذا والزمخشري فسر محرماً بـ ( طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها ) وجعل الاستثناء منقطعاً . أي : لا أجد ما حرمتموه لكن أجد الأربعة محرّمة . وهذا لا دلالة فيه على الحصر حتى ترد المحرمات الأخر . إذ الاستثناء المنقطع ليس كالمتصل في الحصر . وغير الزمخشريّ لم يقيّده بما ذكر . لأن الأصل الاتصال وعدم التقييد . وأوّلوها بما قدمنا قبل . وحينئذ يكون الاستثناء من أعم الأوقات أو أعم الأحوال مفرغاً . بمعنى : لا أجد شيئاً من المطاعم المحرمات في وقت من الأوقات ، أو حال من الأحوال , إلا في وقت أو حال كون الطعام أحد الأربعة . فإني أجد حينئذ محرما . فالمصدر للزمان أو الهيئة . وفيه أن المصدر المؤول من ( أن والفعل ) لا ينصب على الظرفية . ولا يقع حالاً , لأنه معرفة . والله أعلم . الثاني : في قوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } إيذان بأن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى . قال الشهاب : كني بعدم الوجدان عن عدم الوجود . ومبنى هذه الكناية على أن طريق التحريم التنصيص منه تعالى . وتفسيره بمطلق الوحي استظهروه . ولذا قال : أوحي ولم يقل : أنزل . الثالث : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : استدل النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله : { عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } على أنه إنما حرم من الميتة أكلها . وأن جلدها يطهر بالدبغ . فأخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال : " ماتت شاة لسودة بنت زَمْعة فقالت : يا رسول الله ! ماتت فلانة ( يعني الشاة ) فقال : " فلولا أخذتم مَسْكها " فقالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما قال الله عز وجل : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } فإنكم لا تطعمونه . إن تدبغوه تنتفعوا به " فأرسلت إليها فسلخت مسكها فدبغته , فاتخذت منه قربة , حتى تخرَّقت عندها " . الرابع " استدل بقوله تعالى : { مَّسْفُوحاً } على إباحة غيره . وذلك لأن الدم المسفوح هو ما سال من الحيوان في حال الحياة , أو عند الذبح - لا كالكبد والطحال - وكذا ما اختلط باللحم من الدم لأنه غير سائل . قال عمران بن جدير : سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم ، وعن القدر يرى فيها حمرة الدم فقال : لا بأس بذلك ! إنما نهى عن الدم المسفوح . وقال إبراهيم النخعيّ : لا بأس بالدم في عِرْقٍ أو مخّ , إلا المسفوح . وقال عكرمة : لولا هذه الآية لتتبع المسلمون الدم من العروق ما تتبع اليهود . ثم بيّن تعالى أنه حرم على اليهود أشياء أخرى غير هذه الأربعة , تحقيقاً لافتراء المشركين فيما حرّموه , إذ لم يوافق شيئاً مما أنزله تعالى , فقال سبحانه : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ … } .