Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقال تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } من الأوثان { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي : وأحسنوا بالوالدين إحسانا . قال الحاكم : والإحسان : ما يخرج عن حد العقوق ، ومثل هذا قوله تعالى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [ لقمان : 15 ] ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان ، ذكر في المحرمات . وكذا حكم ما بعده من الأوامر . فإن الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده . بل هو عينه عند البعض . كأن الأوامر ذكرت وقُصِدَ لوازمها ، ومن سر ذلك هنا - أعني وضع { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } موضع ( النهي عن الإساءة إليهما ) - المبالغة والدلالة عن أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف في قضاء حقوقهما ، بخلاف غيرهما . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ } أي : من أجل فقر ، ومن خشيته . والمراد بالقتل : وأد البنات وهن أحياء ، وكانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية . فنهاهم الله عن ذلك وحرمه عليهم { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لأن رزق العبيد على مولاهم { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } يعني : الزنى لقوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [ الإسراء : 32 ] ؛ وإنما جيء بصيغة الجميع قصداً إلى النهي عن أنواعه أو مبالغة أو باعتبار تعدد من يصدر منه { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } يعني : علانيته وسره { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي : قتلها لإيمانها أو أمانها { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي : بالعدل . يعني : بالقَوَد والرجْم والارتداد { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } تلطفاً ورأفة { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يعني : لتعقلوا عظمها عند الله تعالى فتكفّوا عن مباشرتها . قال ( المهايميّ ) : فالشرك وعقوق الوالدين وقتل الأولاد للفقر ، منشؤه الجهل بما في الشرك من استهانة المنعم بالإيجاد ، وبما في الإساءة إلى الأبوين من مقابلة الإحسان بالإساءة ، وقربان الفواحش من متابعة الهوى ، والقتل من متابعة الغضب ؛ وكلها أضداد العقل . تنبيه قال بعض ( الزيدية ) : قوله تعالى : { مِّنْ إمْلاَقٍ } خرج على العادة . وإلا فهو محرم ، خشي الفقر أم لا . وقد دلت على تحريم قتل الأولاد . قال ( الحاكم ) : فيدخل في ذلك شرب الدواء لقتل الجنين . قال الإمام ( يحيى ) : إذا نفخ فيه الروح دون إفساد النطفة والعلقة والمضغة قبل أن ينفخ فيها الروح . وفي ( الأحكام ) يجب على من انقطع حيضها أن توقى من الأدوية ما يخاف على الجنين منها ، إذا كانت من ذوات البعول . وفي قوله تعالى : { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } تأكيد للزوم ما تقدم . انتهى . لطيفة قال القاشانيّ : لما كان الكلام مع المشركين في تحريم الطيبات ، عدّد المحرمات ليستدل بها على المحللات . فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس الرذائل . وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها . فإن رذيلتها أكبر الكبائر مستلزمة لجميع الرذائل . بخلاف رذيلة أخويها من القوتين البهيمية والسبعية . فقال : { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } إذ الشرك من خطئها في النظر ، وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان . وعقبه بإحسان الوالدين . إذ معرفة حقوقهما تتلوا معرفة الله في الإيجاد والربوبية . لأنهما سببان قريبان في الوجود والتربية . وواسطتان جعلهما الله تعالى مظهرين لصفتي إيجاده وربوبيته . ولهذا قال ( من أطاع الوالدين فقد أطاع الله ورسوله ) فعقوقهما يلي الشرك ولا يقع الجهل بحقوقهما إلا عن الجهل بحقوق الله تعالى ومعرفة صفاته . ثم بالنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر . فإن ارتكاب ذلك لا يكون إلا عن الجهل والعمى عن تسبيبه تعالى الرزق لكل مخلوق ، وأن أرزاق العباد بيده ، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . والاحتجاب عن سر القدر ، فلا يعلم أن الأرزاق مقدرة بإزاء الأعمار كتقدير الآجال . فأولاها : لا تقع إلا من خطئها في معرفة ذات الله تعالى . والثانية : من خطئها في معرفة صفاته . والثالثة : من معرفة أفعاله . فلا يرتكب هذه الرذائل الثلاث إلا منكوس محجوب عن نذات الله تعالى وصفاته وأفعاله ؛ وهذه الحجب أمُّ الرذائل وأساسها . ثم بيّن رذيلة القوة البهيمية لأن رذيلتها أظهر وأقدم فقال : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } ، ثم أشار إلى رذيلة القوة السبعية بقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ … } . الآية .