Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 152-152)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } أي : بوجه من الوجوه { إِلاَّ بِٱلَّتِي } أي : بالخصلة التي { هِيَ أَحْسَنُ } يعني : أنفع له . كتثميره أو حفظه أو أخذه قرضاً . لا بأكله ، وإنفاقه في مآربكم وإتلافه ، فإنه أفحش . وقد ذكرنا طرفاً فيما رخص فيه لولي اليتيم أو وصيه في قوله تعالى في سورة النساء : { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ النساء : 6 ] ، وقد روى ( أبو داود ) عن ابن عباس قال : لما أنزل الله ، { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ … } الآية ، و { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ … } [ النساء : 10 ] الآية ، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه . فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله ، أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم . فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه . قيل : إنما خص تعالى مال اليتيم بالذكر ؛ لكونه لا يدفع عن نفسه ولا عن ماله هو ولا غيره . فكانت الأطماع في ماله أشد . فعزم في النهي عنه لأنه حماه ومقدمه ، وأمر بتنميته . { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } أي : قوّته التي يقدر بها على حفظه واستنمائه ، وهذا غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهي ، كأنه قيل : احفظوه حتى يصير بالغاً رشيداً . فحينئذ سلموه إليه كما في قوله تعالى : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 6 ] . والأشد جمع ( شدة ) كنعمة وأنعم ، أو شَدّ ككلب وأكلب ، أو شد كصِرّ وآصُر . وقيل هو مفرد كآنك { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي : بالعدل والتسوية في الأخذ والإعطاء . وقد توعد تعالى على تركه في قوله { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 1 - 6 ] . قال ابن كثير : وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال . روى الترمذيّ . عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب الكيل والميزان : " إنكم وليتم أمرين هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم " ثم ضعفه وصحح وقفة على ابن عباس . وروى نحوه ابن مردويه مرفوعاً ، ولفظه : " إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين ، بهما هلكت القرون المتقدمة : المكيال والميزان " . { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً } أي : عند الكيل والوزن { إِلاَّ وُسْعَهَا } أي : جهدها بالعدل . وهذا الاعتراض جيء به عقيب الأمر بالعدل ، لبيان أن مراعاة الحدّ من القسط ، الذي لا زيادة فيه ولا نقصان ، مما يجري فيه الحرج ، لصعوبة رعايته . فأمر ببلوغ الوسع ، وأن الذي ما وراءه معفوّ عنه . وقد روى ابن مردويه عن سعيد بن المسيّب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها " من أوفى على يده في الكيل والميزان ، والله أعلم بصحة نيته بالوفاء فيهما ، لم يؤاخذ . قال ابن المسيّب : وذلك تأويل ( وسعها ) . قال ابن كثير : هذا مرسل غريب . وفي ( العناية ) : يحتمل رجوع قوله تعالى : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } إلى ما تقدم . أي : جميع ما كلفناكم ممكن ، ونحن لا نكلف ما لا يطاق . انتهى . والأول أولى . { وَإِذَا قُلْتُمْ } أي : في حكومة أو شهادة ونحوهما { فَٱعْدِلُواْ } أي : فيها . أي : لا تقولوا الحق { وَلَوْ كَانَ } أي : المقول له أو عليه { ذَا قُرْبَىٰ } أي : ذا قرابة منكم . فلا تميلوا في القول له أو عليه ، إلى زيادة أو نقصان . قال بعض الزيدية : معنى قوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي : اصدقوا في مقالتكم . قال : وهذه اللفظة من الأمور العجيبة في عذوبة لفظها وقلة حروفها وجمعها لأمور كثيرة من الإقرار والشهادة والوصايا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتاوى والأحكام والمذاهب . ثم إنه تعالى أكد ذلك ، وبين أنه يلزم العدل في القول ، ولو كان المقول له ذا قربى . كقوله تعالى : { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] . { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } أي : ما عهد إليكم من الأمور المعدودة ، أو أيّ عهد كان . فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أولياً . أو ما عاهدتم الله عليه من الأيمان والنذور { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر في هذه الآيات { وَصَّـٰكُمْ بِهِ } أي : أمركم بالعمل به في الكتاب { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : تتعظون . وفي قوله تعالى : { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } تأكيد آخر .