Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 45-45)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : آخرهم . كناية عن الاستئصال ؛ لأن ذهاب آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله . وهو من ( دَبَرَهُ ) إذا تبعه ، فكان في دُبُره . أي : خلفه . فالدابر ما يكون بعد الآخر ، ويطلق عليه تجوّزاً . وقال أبو عبيد : دابر القوم : آخرهم . وقال الأصمعيّ : الدابر : الأصل ، ومنه : قطع الله دابره ، أي : أصله . { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : على ما جرى عليهم من الهلاك . فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض ، من شؤم عقائدهم وأعمالهم ، نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها ، لا سيما مع ما فيه من إعلاء كلمة الحق التي نطقت بها رسلهم ، عليهم السلام . تنبيهات الأول : روي في هذه الآية أخبار وآثار منها : ما أخرجه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " " إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ … } [ الأنعام : 44 ] إلى { … هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] " ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم عنه . وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إذا أراد الله بقوم اقتطاعاً فتح لهم ( أوْ فُتِحَ عَلَيْهِم ) باب خيانة { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } " الآية . ورواه أحمد وغيره . وقال الحسن البصريّ : من وسّع الله عليه ، فلم ير أنه يمكر به ، فلا رأي له . ومن قتَّر عليه ، ولم ير أنه ينظر له ، فلا رأي له . ثم قرأ . { فَلَمَّا نَسُواْ … } [ الأنعام : 44 ] الآية - قل الحسن : مكر بالقوم ، ورب الكعبة ! أعطوا حاجتهم ثم أخذوا . وقال قتادة : بغت القومَ أمرُ الله ، وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم ، فلا تغتروا بالله ، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون - روى ذلك ابن أبي حاتم - . الثاني : قال الرازي : قال أهل المعاني : وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد ، لتحسرهم على ما فاتهم من السلامة والعافية . الثالث : قال الزمخشريّ : في قوله تعالى : { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة ، وأنه من أجل النعم ، وأجزل القسم . أي : فهو إخبار بمعنى الأمر ، تعليماً للعباد . قال الناصر في ( الانتصاف ) : ونظيرها قوله تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ * قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [ النمل : 58 - 59 ] فيمن وقف ههنا ، وجعل الحمد على إهلاك المتقدم ذكرهم من الطاغين ، ومنهم من وقف على { ٱلْمُنذَرِينَ } [ النمل : 58 ] وجعل الحمد متصلاً بما بعده من إقامة البراهين على وحدانية الله تعالى ، وأنه جل جلاله خير مما يشركون . فعلى الأول يكون الحمد ختماً ، وعلى الثاني فاتحة ، هو مستعمل فيهما شرعاً ، ولكنه في آية النمل أظهر في كونه مفتتحاً لما بعده ، وفي آية الأنعام ختم لما تقدمه حتماً ، إذ لا يقتضي السياق غير ذلك . انتهى . فقلت : إذا جرينا على ما هو الأسدّ في الآي من توافق النظائر ، اقتضى حمل آية النمل على ما هنا ، وادعاء الأظهرية فيها ممنوع ، فإن التنزيل يفسر بعضه بعضاً . فتأمل . ثم أمر تعالى رسوله بتكرير التبكيت عليهم . وتثنية الإلزام .