Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 52-52)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى الإمام مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال له المشركون : اطرد هؤلاء يجترئون علينا ! قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدّث نفسه ، فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ … } الآية . وأخرج نحوه الحاكم وابن حبان في صحيحيهما . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده خبّاب وصهيب وبلال وعمار ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل عليه القرآن : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } [ الأنعام : 51 ] إلى قوله : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } [ الأنعام : 53 ] . ورواه ابن جرير عن ابن مسعود أيضاً قال : مرّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخبّاب وغيرهم من ضعفاء المسلمين . وفيه : فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك ، أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا ونحن نصير تبعاً لهؤلاء ؟ اطردهم ، فلعلك إن طردتهم نتبعك ! فنزلت هذه الآية : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ … } الآية . ووراء ما ذكرنا ، روايات لا تصحّ ولا يوثق بها . إذا علمت ذلك تبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يطردهم بالفعل ، وإنما همّ بإبعادهم عن مجلسه آن قدوم أولئك ، ليتألفهم فيقودهم ذلك إلى الإيمان ، فنهاه الله عن إمضاء ذلك الهمّ . فما أورده الرازيّ من كونه صلى الله عليه وسلم ، طردهم ، ثم أخذ بتكليف في الجواب عنه ، لمنافاته العصمة على زعمه ، فبناء على واهٍ . والقاعدة المقررة أن البحث في الأثر فرع ثبوته ، وإلا فالباطل يكفي في رده ، كونُه باطلاً . وقد أوضحت ذلك في كتابي ( قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ) . والمعنى : لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك ، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك . كقوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [ الكهف : 28 ] . وقوله تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي : يعبدونه ويسألونه ، { بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } قال سعيد ابن المسيّب وغيره : المراد به الصلاة المكتوبة . وقوله تعالى : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } المراد بالوجه : الذات ، كما في قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ومعنى إرادة الذات : الإخلاص لها ، والجملة حال من : ( يَدْعُونَ ) أي : يدعون ربهم مخلصين له فيه ، وتقييده به لتأكيد علّيته للنهي ، فإن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام ، المضاد للطرد . وقوله تعالى : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } ، كقول نوح عليه السلام في الذين قالوا : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } [ الشعراء : 111 - 113 ] أي : إنما حسابهم على الله عز وجل ، وليس عليّ من حسابهم من شيء ، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء . قال العلامة أبو السعود : الجملة اعتراض وسط بين النهي وجوابه ، تقريراً له ودفعاً لما عسى يتوهم كونه مسوّغاً لطردهم من أقاويل الطاعنين في دينهم ، كدأب قوم نوح حيث قالوا : { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] أي : ما عليك شيء من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة ، حتى تتصدّى له ، وتبني على ذلك ما تراه من الأحكام ، وإنما وظيفتك ، حسبما هو شأن منصب النبوة ، اعتبار ظواهر الأعمال ، وإجراء الأحكام على موجبها . وأما بواطن الأمر فحسابها على العليم بذات الصدور ، كقوله تعالى : { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي } [ الشعراء : 113 ] وذكر قوله تعالى : { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } مع أن الجواب قد تم بما قبله ، للمبالغة في بيان انتفاء كون حسابهم عليه صلى الله عليه وسلم ، بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلاً ، وهو انتفاء كون حسابه عليه السلام ، عليهم ، على طريقة قوله تعالى : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ، ويونس : 49 ، والنحل : 61 ] وأما ما قيل من أن ذلك لتنزيل الجملتين منزلة جملة واحدة ، لتأدية معنى واحد ، على نهج قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] فغير حقيق بجلالة شأن التنزيل . انتهى . والقول المذكور للزمخشري ، حيث ذهب إلى أن الجملتين في معنى جملة واحدة ، تؤدي مؤدَّى { وَلاَ تَزِرُ } [ الأنعام : 164 ] الآية ، وأنه لا بد منهما . هذا ، وقيل : الضمير للمشركين ، والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ، ولا أنت بحسابهم ، حتى يهمك إيمانهم ، ويجرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين . وأغرب المهايميّ حيث قال : والعماةُ ؛ لكونهم أرباب شرف ومال ، يكرهون مجالستهم ، لقلة شرفهم ومالهم ، فقال عز وجل لأشرف الناس : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } أي : ما يعود عليك من نقصهم في الشرف والمال من شيء { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } أي : وما يعود عليهم من كمالك في الشرف والمال عليهم من شيء ، فإذا لم يلحقك نقصهم ، ولم يأخذوا كمالك بسلبه عنك ، فلا وجه لطردهم . انتهى . وفيه بعدٌ ، لعدم ملاقاته لآية نوح السالفة . ولا يخفى مراعاة النظائر . وفي ( العناية ) : قدم خطابه صلى الله عليه وسلم في الموضعين ، تشريفاً له . وإلا كان الظاهر " وما عليهم من حسابك من شيء " بتقديم ( عَلَى ) ومجرورها ، كما في الأول ، وفي النظم رد العجز على الصدر ، كما في قوله : عادات السادات ، سادات العادات . وقوله تعالى : { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } الظلم : وضع الشيء في غير محله ، أي : فلا تهمّ بطردهم عنك ، فتضع الشيء في غير موضعه .