Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 54-54)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : ذهب جماعة من المفسرين إلى أن هؤلاء هم الذين سأل المشركون طردهم وإبعادهم ، فأكرمهم الله بهذا الإكرام . قال البيضاوي : وصفهم تعالى بالإيمان بالقرآن ، واتباع الحجج ، وبعد ما وصفهم بالمواظبة على العبادة ، وأمره بأن يبدأهم بالتسليم ، أو يبلّغ سلام الله تعالى إليهم ، ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله ، بعد النهي عن طردهم ، إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل . ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد ، ويُُعَز ولا يُذَل ، ويُبَشَّر من الله بالسلامة في الدنيا ، والرحمة في الآخرة ، انتهى . وسلف عن ابن جرير أنها نزلت في عمر رضي الله عنه . وأخرج الفريابيّ وابن أبي حاتم عن ماهان ، قال : جاء الناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوباً عظاماً ، فما ردّ عليهم شيئاً ، فأنزل الله : { وَإِذَا جَآءَكَ … } الآية . ولا يخفى أن الآية تشمل جميع ذلك ، وربما تتعدد الوقائع المشتركة في حكم واحد ، فتنزل الآية بياناً للكل . وتقدم لنا في مقدمة هذا التفسير ، في بحث سبب النزول ، أن قول السلف : نزلت في كذا ، قد يقصدون به أن واقعته مما يشملها لفظ الآية ، لنزولها إثرها فتذكرهُ ، وأجِلْ فكرك في أطرافه ، فإنه مهم جداً . وبمعرفته يندفع إشكال الرازيّ الذي قرره هنا . وقوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أي : أوجبها على ذاته المقدسة ، تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً . وقوله : { أَنَّهُ مَن عَمِلَ } الخ بدل من { ٱلرَّحْمَةَ } . وقرئ بكسر الهمزة على أنه تفسير للرحمة بطريق الاستئناف . وقوله : { بِجَهَٰلَةٍ } في موضع الحال ، أي : عمله وهو جاهل ، وفيه معنيان : أحدهما : أنه فاعل فعل الجهلة ؛ لأن من عمل ما يؤدي إلا الضرر في العاقبة ، وهو عالم بذلك ، أو ظانّ ، فهو من أهل السفه والجهل ، لا من أهل الحكمة والتدبير ، ومنه قول الشاعر : @ على أنها قالت عشيةَ زُرْتُهَا جهلتَ على عمدٍ ولم تَكُ جَاهِلاً @@ والثاني : أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة ، ومن حق الحكيم ألا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته - كذا في الكشاف - . فعلى الأول ، الجهل : بمعنى السفه والمخاطرة من غير نظر للعواقب ، كما في قوله : @ * فَنَجْهَلَ فَوْقَ جهلِ الجَاهِلِينا * @@ وكانت العرب تتمدح به ، فلا حاجة لتقدير مفعول . وعلى الثاني ، المراد : الجهالة بمضارّ ما يفعله . وقوله تعالى : { وَأَصْلَحَ } أي : العمل . كقوله : { وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } [ الفرقان : 70 ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما قضى الله على الخلق كتب فيه كتابه ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي غلبت غضبي " . تنبيه نقل بعض المفسرين عن الحاكم أنه قال : دلت الآية على وجوب تعظيم المؤمنين ، ودلت على أنه ينبغي إنزال المسرة بالمؤمن ؛ لأنه أمر بأن يقول لهم : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } لتطيب قلوبهم . انتهى .