Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 8-8)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أي : ليكون معه فيكلمنا أنه نبيّ ، كقوله : { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [ الفرقان : 7 ] . { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } جواب لمقترحهم ، وبيان لمانعه ، وهو البقيا عليهم ، كيلا يكونوا كالباحث عن حتفه بظلفه . والمعنى : أن الملك لو أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته ، وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ، ثم لم يؤمنوا ، لحاق بهم العذاب ، وفرغ الأمر . فإن سنة الله قد جرت في الكفار أنهم متى اقترحوا آية ، ثم لم يؤمنوا ، استؤصلوا بالعذاب ، كما قال تعالى : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [ الحجر : 8 ] . وقوله تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } [ الفرقان : 22 ] . { ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي : لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين ، فضلا عن أن ينذروا به . ومعنى ( ثم ) بعد ما بين الأمرين ، قضاء الأمر ، وعدم الإنظار . جعل عدم الإنظار . أشد من قضاء الأمر ؛ لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة . تنبيه ذكر الزمخشري وجهاً ثانياً في تعجيل عذابهم ، عند نزول الملائكة ، وهو أنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف ، فيجب إهلاكهم ، وفي ( الكشف ) الاختيار قاعدة التكليف ، وهذه آية ملجئة . قال تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . فوجب إهلاكهم ، لئلا يبقى وجودهم عارياً عن الحكمة ، إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف ، وهو لا يبقى مع الإلجاء . هذا تقريره على مذهبهم ، وهو غير صاف عن الإشكال . انتهى . وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة ، وكأنّ وجه إشكاله أنه وقع في القرآن ، والواقع ما ينافيه ، كما في قوله تعالى : { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ … } [ البقرة : 259 ] الآية - كذا في ( العناية ) - وذكر أيضاً وجهاً ثالثاً . وهو أنهم إذا شاهدوا ملَكاً في صورته ، زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون . قال في ( الانتصاف ) : ويقويّ هذا الوجه قوله : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] ، قال ابن عباس : ليتمكنوا من رؤيته ، ولا يهلكوا من مشاهدة صورته . انتهى . وهذا الوجه آثره أبو السعود في التقديم حيث قال : أي لو أنزلنا ملكاً على هيئته حسبما اقترحوه ، والحال أنه من هول المنظر ، بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية . ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصورة البشرية ؟ كضيف إبراهيم ولوط ، وخصم داود عليهم السلام ، وغير ذلك . وحيث كان شأنهم كذلك ، وهم مؤيدون بالقوى القدسية ، فما ظنك بمن عداهم من العوام ؟ فلو شاهدوه كذلك لقضي أمر هلاكهم بالكلية ، واستحال جعله نذيراً ، وهو - مع كونه خلاف مطلوبهم - مستلزم لإخلاء العالم عما عليه يدور نظام الدنيا والآخرة ، من إرسال الرسل ، وتأسيس الشرائع . وقد قال سبحانه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] انتهى . وفي ( العناية ) : أن الوجه الثالث لا يناسب قوله : { ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } ، لأنه يدل على إهلاكهم ، لا على هلاكهم ، برؤية الملك ، إلا بتكلف . هذا ، وقال الناصر في ( الانتصاف ) : على الوجه الأول لا يحسن أن يجعل سبب مناجزتهم بالهلاك وضوح الآية في نزول الملك . فإنه ربما يُفهم هذا الكلام أن الآيات التي لزمهم الإيمان بها دون نزول الملك في الوضوح ، وليس الأمر كذلك . فالوجه - والله أعلم - أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم ، أنهم اقترحوا ما لا يتوقف وجوب الإيمان عليه ، إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجزاً ، لا المعجز الخاص ، فإذا أجيبوا على وفق مقترحهم ، فلم ينجع فيهم ، كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المناسب لعدم النَّظرة - والله أعلم - . قال المهايميّ : لا دليل على النبوة سوى شهادة الملك ، وتنزيل الملك بصورته الملكوتية يقطع أمر التكليف ، إذ لا ينفع الإيمان بعد انكشاف عالم الملكوت ، فلا يمهلون ؛ لأن الإمهال للنظر . والمعجزة - وإن أفادت علماً ضرورياً - لا تخلو عن خفاء يحتاج إلى أدنى نظر ، ولا خفاء مع انكشاف عالم الملكوت ، فلا وجه للإمهال للنظر ، فلا يقبل الإيمان معه ، فلا بد من المؤاخذة عقيبه . انتهى ، فليتأمل .