Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 90-90)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الأنبياء المذكورين { ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي : إلى الصراط المستقيم { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } أي : بطريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده ، والأخلاق الحميدة ، والأفعال المرضية ، والصفات الرفيعة ، اعمل . تنبيهات الأول : استدل بهذه الآية من قال : إن شرع من قبلنا شرع لنا ، ما لم يرد ناسخ . الثاني : استدل بها ابن عباس رضي الله عنه على استحباب السجدة في ( ص ) ؛ لأن داود عليه السلام سجدها ، رواه البخاريّ وغيره - ولفظ البخاريّ : عن العوّام ، قال : سألت مجاهداً عن سجدة ( ص ) ، فقال : سألت ابن عباس : من أين سجدت ؟ فقال : أو ما تقرأ : { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ … أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فكان داود ممن أُمِرَ نَبِيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به ، فسجدها داود عليه السلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم . الثالث : قال الرازي : احتج العلماء بهذه الآية على أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وتقريره : أنا بيّنا أن خصال الكمال ، وصفة الشرف ، كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة ، وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء ، ويوسف كان مستجمعاً لهاتين الحالتين ، وموسى عليه السلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة ، والمعجزات الظاهرة ، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كانوا أصحاب الزهد ، وإسماعيل كان صاحب الصدق ، ويونس كان صاحب التضرع ، فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء ؛ لأن الغالب عليه خصلة معينة من خصال المدح والشرف . ثم إنه تعالى لما ذكر الكل ، أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بهم بأسرهم ، فكأنه أمر بأن يجمع من خصال العبودية والطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ، وهو معصوم عن مخالفة ما أمر به ، فثبت أنه اجتمع فيه جميع ما تفرق فيهم من الكمال ، وثبت أنه أفضلهم . وهو استنباط حسن . الرابع : { ٱقْتَدِهْ } يُقرأ بسكون الهاء وإثباتها في الوقف دون الوصل ، وهي على هذا هاء السكت . ومنهم من يثبتها في الوصل أيضاً لشبهها بهاء الإضمار . ومنهم من يكسرها وفيه وجهان : أحدهما هي هاء السكت أيضاً ، شبهت بهاء الضمير ، وليس بشيء . والثاني هي هاء الضمير والمضمر المصدر أي : اقتد الاقتداء . ومثله : @ هذا سُرَاقَةُ للقرآن يدرُسُهُ والمرء عند الرُّشا ، إنّ يَلْقَهَا ذِيبُ @@ ( فالهاء ) ضمير ( الدرس ) لا مفعول ؛ لأن ( يدرس ) قد تعدى إلى ( القرآن ) . وقيل : من سكن الهاء جعلها هاء الضمير ، وأجرى الوصل مجرى الوقف - أفاده أبو البقاء - . وأما قول الواحديّ : الذين أثبتوا الهاء راموا موافقة المصحف ، فإن الهاء ثابتة في الخط ، فكرهوا مخالفة الخط في حالتي الوقف والوصل ، فأثبتوا - فقد قال الخفاجيّ : إنه مما لا ينبغي ذكره ؛ لأنه يقتضي أن القراءة بغير نقل تقليدا للخط ، فمن قاله فقد وهم . { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : على القرآن أو التبليغ ، فإن مساق الكلام يدل عليهما ، وإن لم يجر ذكرهما ، { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } أي : عظة وتذكير لهم ليرشدوا من العمى إلى الهدى . تنبيهان الأول : فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى جميع الخلق ، من الجن والإنس . وأن دعوته قد عمت جميع الخلائق . الثاني : قال الخفاجيّ : قيل : الآية تدل على أنه يحلّ أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام . قال : وللفقهاء فيه كلام . انتهى . وعكس بعض مفسري الزيدية حيث قال : في هذا إشارة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلوم ؛ لأن ذلك جرى مجرى تبليغ الرسالة . انتهى . أقول : إن الآية على نفي سؤاله صلى الله عليه وسلم منهم أجرا ، كي لا يثقل عليهم الامتثال . وأما استفادة الحل والتحريم منها ، ففيه خفاء . والقائل بالأول يقول : المعنى لا أسألكم جعلا تعففاً ، أي : وإن حلّ لي أخذه . وبالثاني : لا أسألكم عليه أجرا لأني حظرت من ذلك . قال ابن القيم : أما الهدية للمفتي ، ففيها تفصيل : فإن كانت بغير سبب الفتوى ، كمن عادته يهاديه أو من لا يعرف أنه مُفتٍ ، فلا بأس بقبولها ، والأولى أن يكافأ عليها . وإن كانت بسبب الفتوى ، فإن كانت سبباً إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له ، لم يجز له قبول هديته . لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء . وأما أخذ الرزق من بيت المال ، فإن كان محتاجاً إليه ، جاز له ذلك . وإن كان غنياً عنه ، ففيه وجهان : وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة ، وعامل اليتيم . فمن ألحقه بعامل الزكاة قال : النفع فيه عام ، فله الأخذ . ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الأخذ . وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي ، بل القاضي أولى بالمنع ، وأما أخذ الأجرة فلا يجوز ؛ لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله ، فلا يجوز المعاوضة عليه ، كما لو قال : لا أعلمك الإسلام والوضوء والصلاة إلا بأجرة . أو سئل عن حلال أو حرام ؟ فقال للسائل : لا أجيبك عنه إلا بأجرة ، فهذا حرام قطعاً ، ويلزمه ردّ العوض ، ولا يملكه . انتهى . وفي حديث عبد الرحمن بن شبل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " اقرؤوا القرآن ، ولا تَغْلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به " أخرجه الإمام أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ، وأخرجه أيضاً البزار وله شواهد . وأخرج أحمد والترمذيّ - وحسّنه - عن عمران بن حصين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى به ، فإنه سيجيء قوم يقرؤون القرآن يسألون الناس به " . وأخرج ابن ماجه والبيهقيّ عن أبيّ بن كعب قال : " علّمت رجلاً القرآن ، فأهدى لي قوساً ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " إن أخذتها أخذت قوساً من نار " " . وهناك أحاديث أخر ، ومنها استدل على حظر أخذ الأجرة على التعليم . وأما أخذ الأجرة على التلاوة ، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود في قصة اللديغ من قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً ، كتاب الله ، أصبتم اقتسموا ، واضربوا لي معكم سهماً " . قال العلامة الشوكانيّ : حديث " أحق ما أخذتم عليه أجراً " عامٌّ يصدق على التعليم ، وأخذ الأجرة على التلاوة لمن طلب من القارئ ذلك ، وأخذ الأجرة على الرقية ، وأخذ ما يدفع إلى القارئ من العطاء ، لأجل كونه قارئاً ، ونحو ذلك . فيخص من هذا العموم تعليم المكلف ، ويبقى ما عداه داخلاً تحت العموم . وبعض أفراد العامّ فيه ، أدلة خاصة تدل على جوازه ، كما دل العامّ على ذلك . فمن تلك الأفراد أخذ الأجرة على الرقية ، وتعليم المرأة في مقابلة مهرها . قال : هكذا ينبغي تحرير الكلام في المقام ، والمصير إلى الترجيح من ضيق العطن . أي : لأنه يصار إليه عند تعذر الجمع ، وقد أمكن ، فكان الأحق - والله الموفق - . ولما بين تعالى شأن القرآن العظيم ، وأنه نعمة كبرى على العالمين ، تأثرّه ببيان كفرهم بذلك ، على وجه سرى إلى الكفر بجميع الكتب المنزلة ، فقال سبحانه : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً … } .