Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-10)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } أي : من مكة إلى المدينة ، { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أي : فاختبروهن بما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } أي : المطلع على قلوبهن ، لا أنتم ، فإنه غير مقدور لكم ، فحسبكم أماراته وقرائنه . وقد روى ابن جرير عن ابن عباس قال : كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حلّفها بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله . وقال مجاهد : أي : سلوهن ما جاء بهن ؟ فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ، ولم يؤمِنّ ، فارجعوهن إلى أزواجهن . { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } قال الزمخشري : أي العلم الذي تبلغه طاقتكم ، وهو الظن الغالب بالحلف ، وظهور الأمارات . وإنما سماه علماً ، إيذاناً بأنه كالعلم في وجوب العمل به . { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي : فلا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين ، إذ لا حِلَّ بين المؤمنة والمشرك ، لأن إيمانها قطع عصمتها من المشرك المعادي لله ولرسوله . قال ابن جرير : وإنما قيل ذلك للمؤمنين . لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية ، أن يردّ المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلماً ، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات ، فامتُحنَّ فوجدهن المسلمون مؤمنات ، وصح ذلك عندهم مما ذكرنا ، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين ، إذا علم أنهن مؤمنات ، { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي : لانقطاع النكاح بينهنّ . قال ابن كثير : هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين . وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك من المؤمنة . ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع ، زوج ابنة النبيّ صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها . وقد كانت مسلمة ، وهو على دين قومه . فلما وقع في الأسارى يوم بدر ، بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة ، وقال للمسلمين : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " ، ففعلوا ، فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه ، فوفى بذلك ، وصدقه فيما وعده ، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه . فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر ، وكانت سنة اثنتين ، إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان ، فردها عليه بالنكاح الأول ، ولم يحدث لها صداقاً . ومنهم من يقول بعد سنتين ، وهو صحيح ، لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين . انتهى . { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } قال ابن جرير : أي : وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ، إذا علمتموهن مؤمنات ، فلم ترجعوهن إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهن من الصداق { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } أي : هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب ، مفارقات لأزواجهن ، وإن كان لهن أزواج ، { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : مهورهن . قال ابن زيد : لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرأت أرحامهن . ثم أشار إلى أنه كما بطل نكاح المؤمنة عن الكافر ، بطل نكاح الكافرة عن المسلم ، بقوله : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } أي : بعقودهن التي يتمسك بها في الاستحلال . قال ابن جرير : يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهن . و ( الكوافر ) جمع كافرة . و ( العصم ) : جمع عصمة ، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب . وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن الإقدام على نكاح المشركات من أهل الأوثان ، وأمر لهن بفراقهن . ثم روي عن مجاهد قال : أمر أصحاب محمد بطلاق نسائهم كوافر بمكة قعدن مع الكفار . وعن الزهري : لما نزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى قوله : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } ، كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأتين كانتا له بمكة : ابنة أبي أمية ، وابنة جرول . وطلحة بن عبيد الله بنت ربيعة ، ففرق بينهما الإسلام ، حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر ، وكان ممن فرّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار ، ممن لم يكن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فحبسها وزوَّجها رجلاً من المسلمين ، أميمة بنت بشر الأنصارية . كانت عند ثابت بن الدحداحة ، ففرّت منه وهو يومئذ كافر ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن حنيف أحد بني عمرو بن عوف . فولدت عبد الله ابن سهل . { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } أي : اطلبوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللواتي لحقن بهم من الصداق مَن تزوجهن منهم { وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } أي : وليسألكم المشركون منهم الذين لحق بكم أزواجهم مؤمنات إذا تزوجن فيكم مَن تزوجها منكم ، ما أنفقوا عليهن من الصداق { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : هذا الحكم الذي حكم به من أمر المؤمنين بمسألة المشركين ما أنفقوا ، وأمر المشركين بمثل ذلك . حكم الله الحق الذي لا يعدل عنه .