Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 8-9)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } هذا ترخيص من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم . فهو في المعنى تخصيص لقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي … } [ الممتحنة : 1 ] إلخ . أي : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من أهل مكة ، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ، وتقسطوا إليهم ، أي : تفضوا إليهم بالبرّ ، وهو الإحسان . والقسط : وهو العدل . فهذا القدر من الموالاة غير منهيّ عنه ، بل مأمور به في حقهم . والخطاب وإن يكن في مشركي مكة ، إلا أن العبرة بعموم لفظه . وقد حاول بعض المفسرين تخصيصه ، فردّ ذلك الإمام ابن جرير بقوله : والصواب قول من قال : عني بقوله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } من جميع أصناف الملل والأديان ، أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم ، فإن الله عز وجل عمّ بقوله : { ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضاً دون بعض . ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة ونسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب ، غير محرم ولا منهيّ عنه ، إذا لم يكن في ذلك دلالة له ، أو لأهل الحرب ، على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح . وقد بين صحة ما قلناه الخبر في قصة أسماء وأمها . انتهى . وذلك أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ، إذ عاهدوا . فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ! إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : " نعم ! صلي أمك " رواه أحمد والشيخان ، ورواه أيضاً الإمام أحمد عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : ضباب ، وقرظ ، وسمن ، وهي مشركة . فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وتدخلها بيتها . فسألت عائشةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ … } إلى آخر الآية . فأمرها أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها . قال الرازي : وقوله تعالى : { أَن تَبَرُّوهُمْ } بدل من { ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ } وكذلك { أَن تَوَلَّوْهُمْ } بدل من { ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ } . والمعنى : لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء ، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء ، وهذا رحمة لهم ؛ لشدتهم في العداوة . وهذه الآية تدل على جواز البرّ بين المشركين والمسلمين ، وإن كانت الموالاة منقطعة . انتهى .