Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 12-12)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ } قال ابن كثير : أي : أموال الناس الأجانب ، فأما إذا كان الزوج معسراً في نفقتها ، فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ما جرت به عادة أمثالها ، وإن كان من غير علمه عملاً بحديث هند بنت عتبة أنها قالت : " يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ ، فهل عليَّ جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " - أخرجاه في الصحيحين . { وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } قال الزمخشري : يريد وأد البنات . وقال ابن كثير : هذا يشمل قتله بعد وجوده ، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ، ويعمّ قتله وهو جنين كما قد يفعله بعض الجاهلات من النساء تطرّح نفسها لئلا تحبل ، إما لغرض فاسد أو ما أشبهه . { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قال ابن عباس : أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم . وأوضحه الزمخشريّ بقوله : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هو ولدي منك . كني بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً ، لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين ، وفرجها الذي تلده به بين الرجلين ، فهو غير الزنا ، فلا تكرار فيه . وقال الشهاب : في شرح البخاريّ للكرمانيّ معناه : لا تأتوا ببهتان من قبل أنفسكم . واليد والرجل كناية عن الذات ؛ لأن معظم الأفعال بهما . ولذا قيل للمعاقب بجناية قولية : هذا ما كسبت يداك . أو معناه : لا تنشؤه من ضمائركم وقلوبكم ؛ لأنه من القلب الذي مقره بين الأيدي والأرجل . والأول كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهم ، والثاني عن كونه من دخيلة قلوبهم المبنية عن الخبث الباطنيّ . وقال الخطابي : معناه لا تبهتوا الناس كفاحاً ومواجهة ، كما يقال للآمر بحضرتك : إنه بين يديك . وردّ بأنهم وإن كنوا عن الحاضر بكونه بين يديه ، فلا يقال : بين أرجله . وهو وارد لو ذكرت الأرجل وحدها . أما مع الأيدي تبعاً فلا . فالمخطئ مخطئ وهو كناية عن خرق جلباب الحياء . والمراد : النهي عن القذف ، ويدخل فيه الكذب والغيبة . انتهى . { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } أي : من أمر الله تأمرهن به . قال في النهاية : المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله ، والإحسان إلى الناس ، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه . { فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : فبايعهن على الوفاء بذلك ، وسل الله لهن مغفرة ذنوبهن والعفو عنها ، فإنه غفور رحيم لمن تاب منها . تنبيهات الأول : روى البخاريّ عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية ، فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بايعتك " كلاماً . ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك " . قال ابن حجر : أي : لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة . ثم قال : وروى النسائيّ والطبريّ " أن أميمة بنت رقيقة أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع . فقلن : يا رسول الله ! ابسط يدك نصافحك . فقال : " إني لا أصافح النساء . ولكن سآخذ عليكن " . فأخذ علينا حتى بلغ { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } فقال : فيما أطقتُنّ واستطعتن ، فقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا " - وفي رواية الطبريّ : " ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة " - وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب - أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبيّ . وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح أنه كان يغمس يده في إناء ، فيغمسن أيديهن فيه . انتهى . والمعول على رواية البخاريّ الأولى لصحتها ، وضعف ما عداها . الثاني : روى مسلم عن أم عطية قالت : " لما نزلت هذه الآية { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } كان منه النياحة " . ولفظ البخاريّ عنها قالت : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا { أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } ونهانا عن النياحة " . وأخرج الطبريّ بسنده إلى امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا ألا نعصيه في شيء من المعروف ، ولا نخمش وجهاً ، ولا ننشر شعراً ، ولا نشق جيباً ، ولا ندعو ويلا . وعن قتادة قال : ذكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن يومئذ أن لا يَنُحَن ، ولا يحدّثن الرجال إلا رجلاً منكن محرماً ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبيّ الله ، إن لنا أضيافاً ، وإنا نغيب عن نسائنا ؟ فقال : " ليس أولئك عنيت " " . الثالث : قال إلكِيا الهراسيّ : يؤخذ من قوله تعالى : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } : أنه لا طاعة لأحد في غير المعروف . قال وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بمعروف وإنما شرطه في الطاعة ؛ لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين . وأصله مما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد . قال في هذه الآية : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه ، وخيرته من خلقه . ثم لم يستحل له أمر إلا بشرط . لم يقل : { وَلاَ يَعْصِينَكَ } ويترك حتى قال : { فِي مَعْرُوفٍ } فكيف ينبغي لأحد أن يطاع في غير معروف ، وقد اشترط الله هذا على نبيه ؟ ثم نبه تعالى في آخر السورة بما نبّه به في فاتحتها ، من النهي عن موالاة محاربي الدين ، تحذيراً من التهاون في ذلك ، وزيادة اعتناء به ، فقال سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ … } .