Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 5-5)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } أي : لم توصلون إليّ الأذى بالمخالفة والعصيان لما آمركم به ، وأنتم تعلمون علم اليقين صدقي فيما جئتكم به من الرسالة ، لما شاهدتم من الآيات البينات ؟ ومقتضى علمكم ذلك ، تعظيمي وإطاعتي ؛ لأن من عرف الله وعظمته عظَّم رسوله ؛ لأن تعظيمه في تعظيم رسوله . قال ابن كثير : وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم ، وأمرٌ له بالصبر . ولهذا قال صلوات الله عليه : " رحمة الله على موسى ! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " وفيه نهي للمؤمنين أن يوصلوا له ، صلوات الله عليه أذى ، كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } [ الأحزاب : 69 ] انتهى . وقال أبو السعود : هذا كلام مستأنف ، مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال . و { إِذْ } منصوب على المفعولية بمضمر ، خوطب به النبيّ صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين . أي : واذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال ، وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة ، بقوله : { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } [ المائدة : 21 ] فلم يمتثلوا أمره ، وعصوه أشد عصيان ، حيث قالوا : { يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [ المائدة : 22 ] إلى قوله : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] وأصروا على ذلك ، وأذوْه ، عليه الصلاة والسلام ، كل الأذية . هذا هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم ، ويرتضيه الذوق السليم . وأما ما قيل بصدد بيان أسباب الأذية ، من أنهم كانوا يؤذونه بأنواع الأذى ، من انتقاصه وعيبه في نفسه وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه ، وعبادتهم البقر ، وطلبهم رؤية الله جهرة - فما لا تعلق له بالمقام . انتهى ملخصاً . وملخصه : أن المقام يعيّن نوع الأذية ويخصصها ، والقرينة إحدى مخصصات العامّ ، إلا أن أخذها عامة أعظم في التسلية وأولى ، وقوفاً مع عموم اللفظ الكريم . { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ } أي : عن مقتضى علمهم لفرط الهوى ، وحب الدنيا { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } أي : عن طريق الهدى ، وحجبهم عن نور الكمال ، لصرف اختيارهم نحو الغيّ والضلال . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرَين على الغواية .