Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 6-6)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي : التي أنزلت على موسى ، وذلك مما يدعو إلى تصديقه عليه السلام . { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي : الدلالات التي آتاها الله إياه ، حججاً على نبوّته ، { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي : بيْن . والإشارة إلى ما جاء به أو إليه ، عليه الصلاة والسلام ، وتسميته سحراً مبالغة . يريد عليه السلام : أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعاً ، ممن تقدم وتأخر . تنبيهات الأول : نقل الرازي : وغيره مصداق هذه الآية من الإنجيل الموجود بين أيديهم وذلك في إنجيل يوحنا ، في الباب الرابع عشر ، هكذا : إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد - كما في النسخة المطبوعة سنة 1821 و1831 و1833 بمدينة لندن - وفارقليط يونانية ، ولفظها الأصليّ ( بيركلوط ) ، ومعناه : محمد وأحمد ، كما بينه صاحب ( إظهار الحق ) . وذكرت جريدة المؤيد عدد ( 3284 ) صفحة ( 2 ) تحت عنوان : ( لا يعدم الإسلام منصفاً ) : وقال مسيو مارسيه من ( مدرسة اللغات الشرقية ) ما يأتي : إن محمداً هو مؤسس الدين الإسلاميّ ، واسم محمد جاء من مادة حمد . ومن غريب الاتفاق أن نصارى العرب كانوا يستعملون اسما من نفس المادة يقرب في المعنى من محمد ، وهو أحمد ، لتسمية البراكلية به . ومعنى أحمد : صاحب الحمد ، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلاميّ أن يثبتوا بأن كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبيّ محمد . وقد أشار القرآن نفسه إلى هذا بقوله عن المسيح : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } . وقد قال اسبرانجيه : إن هذه الآية تشير إشارة خاصة إلى عبارة ( إنجيل يوحنا ) حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم . انتهى بالحرف . وأما ( إنجيل برنابا ) فيه العبارات الصريحة المتكررة بل الفصول الضافية الذيول التي يذكر فيها اسم محمد في عرضها ذكراً صريحاً ، ويقول إنه رسول الله . وقد نقل الشيخ محمد بيرم عن رحالة إنكليزيّ أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميريّ قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفيها يقول المسيح : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } وذلك موافق لنص القرآن الكريم بالحرف . وقد بدل الرهبان نقط ( الفارقليط ) في المطبوعات الأخيرة بـ ( المعزّى ) . قال بعضهم : ولا عجب من هذه التحريفات المتجددة بتجدد الطبعات ، فإنها سجية القوم في كتبهم المقدسة . @ * سجيةٌ تلك فيهم غير محدَثةٍ * @@ الثالث : قال الإمام ابن القيّم في ( جلاء الأفهام ) : الفرق بين محمد وأحمد من وجهين : أحدهما : أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد ، فهو دالّ على كثرة حمد الحامدين له ، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه . و ( أحمد ) أفعل تفضيل من الحمد ، يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره . فمحمد زيادة حمد في الكمية ، وأحمد زيادة في الكيفية ، فيحمد أكثر حمد ، وأفضل حمد حمده البشر . والوجه الثاني : أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم ، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره . فدل أحد الاسمين - وهو محمد - كونه محموداً . ودل الاسم الثاني - وهو أحمد - على كونه أحمد الحامدين لربه . وهذا هو القياس ، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يُبنيان إلا من فعل الفاعل ، لا من فعل المفعول ، ذهاباً إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدّي . ونازعهم آخرون وجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول ، لقول العرب : ( ما أشغله بالشيء ) . إلى أن قال : والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم سمي محمداً وأحمد ؛ لأنه يحمد أكثر ما يُحمد غيره ، وأفضل مما يحمد غيره . فالاسمان واقعان على المفعول ، وهذا هو المختار . وذلك أبلغ في مدحه ، وأتم معنى . ولو أريد به اسم الفاعل لسمي ( الحمّاد ) وهو كثير الحمد ، كما سمي محمداً ، وهو المحمود كثيرا . فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمداً لربه . فلو كان اسمه باعتبار الفاعل ، لكان الأوْلَى أن يسمّى حماداً ، كما أن اسم أمته الحمادون . وأيضاً فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحموده التي لأجلها استحق أن يسمّى محمداً وأحمد ، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة ، ويحمده أهل السماوات والأرض . فلكثرة خصائله التي تفوت عدّ العادّين سمي باسمين من أسماء الحمد ، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة . انتهى .