Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 11-11)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً } أي : عير تجارة { أَوْ لَهْواً } أي : ما تلهوه له النفس عن الحق والجد النافع { ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } أي : أسرعوا إلى التجارة خشية أن يسبقوا إليها . وإنما أوثر ضميرها لأنها الأهم المقصود { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } أي : على المنبر { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ } أي : من الثواب المرجوّ بسماع الخطبة والعظة بها { خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } أي : لأن الثواب مخلد نفعه ، بخلاف ما يتوهمونه منها . قال الشهاب : وتقديم ( اللهو ) لأنه أقوى مذمة ، فناسب تقديمه في مقام الذم . { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي : فاعملوا للأعراض الباقية عنده ، فإنها خير من الأمور الفانية عندكم ، وفوضوا أمر الرزق إليه بالتوكل والثقة بفضله . فإنه خير الرازقين . تنبيهات الأول : قال الرازيّ : وجه تعلق آية الجمعة بما قبلها ، هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها ، والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك . فنبههم الله تعالى بقوله : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي : إلى ما ينفعكم في الآخرة ، وهو حضور الجمعة ، لأن الدنيا ومتاعها فانية ، والآخرة وما فيها باقية . قال تعالى : { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 17 ] . ووجه آخر في التعلق . قال بعضهم : قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث : افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم بقوله : { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 94 ] . وبأنهم أهل الكتاب ، والعرب لا كتاب لهم ، فشبههم بالحمار يحمل أسفاراً . وبالسبت ، وليس للمسلمين مثله ، فشرع الله لهم الجمعة . انتهى . وقال المهايميّ في وجه المناسبة : بيّن الله تعالى أن مقتضى الإيمان الاجتماع على الخير ، لاسيما الشكر على الإنسانية ، لئلا تنقلب حمارية أو بهيمية ، في مقابلة اجتماع أهل الكتاب على الشر ، الذي جرهم إلى الحمارية والبهيمية . الثاني : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } [ الجمعة : 9 ] مشروعية صلاة الجمعة ، والأذان لها ، والسعي إليها ، وتحريم البيع بعد الأذان . واستدل بالآية من قال : إنما يجب إتيان الجمعة على من كان يسمع فيه النداء . ومن قال : لا يحتاج إلى إذن السلطان ؛ لأنه تعالى أوجب السعي ، ولم يشترط إذن أحد . ومن قال : لا تجب على النساء لعدم دخولهن في خطاب الذكور . انتهى . الثالث : في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الجمعة : 10 ] إباحة الانتشار عقب الصلاة ، فيستفاد منه تقديم الخطبة عليها . انتهى . وظاهره أنه لا يشرع بعد أدائها صلاة ما . غير أنه " كان صلى الله عليه وسلم يتنفل بعدها في بيته ركعتين " وفي رواية " أربعاً " وأما اعتقاد فريضة الظهر بعدها إذا تعددت ، فتعصب مذهبيّ لا برهان له . وقد قلت في مقدمة مجموعة الخطب ، في الفائدة الرابعة ما مثاله : الحاجة في هذه البلاد في هذه الأوقات ، تدعو إلى أكثر من جمعة ، إذ ليس للناس جامع واحد يسعهم ، ولا يمكنهم جمعة واحدة أصلاً . إلا أن خروجها إلى حد أن لا فرق بينها وبين بقية الصلوات في كثير من المساجد الصغيرة التي لم تشيد لمثلها ، قد هول فيه السبكيّ في ( فتاويه ) ؛ لأنه مما تأباه مشروعيتها ، وما مضى عليه عمل القرون الثلاثة ، بل تسميتها جمعة ، فإن صيغة ( فُعُلَة ) في اللغة للمبالغة . وبالجملة فالجوامع الكبار التي تؤمها الأفواج يوم الجمعة ويحتاج لإقامتها فيها حاجة بينة لمجاوريها ، هي التي لا خلاف في جوازها مهما تعددت ، والتي لا تعاد الظهر بعدها ، وقد بسطناه في كتابنا ( إصلاح المساجد من البدع والعوائد ) . الرابع : يدل قوله تعالى : { وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 10 ] على عدم مشروعية تعطيل يوم الجمعة ، ففيه تعريض بمجانبة التشبه بأهل الكتاب في تعطيل يومي السبت والأحد ، وردّ على ما ابتدع فيه من الوظائف ما يدعو إلى الانقطاع عن كل عمل . والأصل أن كل ما لم ينص عليه الكتاب الحكيم ، ولا الهدي النبويّ من خبر قويم ، فهو تشريع ما لم يأذن به الله . وإذا رفع الله بفضله عنا الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا ، فما بالنا نستجرهّا إلينا بالأسباب الضعيفة ، فاللهم غفراً . الخامس : قال في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } مشروعية الخطبة ، والقيام فيها ، واشترط الجماعة في الصلاة ، وسماعهم الخطبة ، وتحريم الانفضاض . انتهى . وفي الصحيحين عن جابر قال : قدمت عيرٌ مرةً المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فخرج الناس . وبقي اثنا عشر رجلاً ، فنزلت : { وَإِذَا رَأَوْاْ … } الآية . وروى ابن جرير عن جابر قال : كان الجواري إذا نكحوا يمرون بالكَبَر والمزامير ، ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ، وينفضون إليها ، فأنزل الله : { وَإِذَا رَأَوْاْ … } الآية . وعن مجاهد : اللهو : الطبل .