Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 5-6)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي : معشر الكفرة الفجرة { نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي : كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } من عذاب الاستئصال . و ( الوبال ) : الثقل ، والشدة المترتبة على أمر من الأمور . و { أَمْرِهِمْ } كفرهم ، عبر عنه بذلك ؛ للإيذان بأنه أمر هائل ، وجناية عظيمة { وَلَهُمْ } أي : في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أي : ذلك المذكور من ذوقهم وبال أمرهم في الدنيا ، وما أعد لهم من عذاب الأخرى ، بسبب أنه أتتهم رسلهم بالواضحات من الأدلة والأعلام على حقيقة ما يدعونهم إليه ، فنبذوها ، واتبعوا أهواءهم ، واستهزؤوا برسلهم ، وقالوا : أبشر يهدوننا ؟ قال ابن جرير : استكباراً منهم أن تكون رسل الله إليهم بشراً مثلهم ، واستكباراً عن إتباع الحق من أجل أن بشراً مثلهم دعاهم إليه . وجمع الخبر عن البشر فقيل : { يَهْدُونَنَا } ، ولم يقل : ( يهدينا ) ؛ لأن ( البشر ) وإن كان في لفظ الواحد ، فإنه بمعنى الجميع . انتهى . قال القاشاني : لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ، ولم يجدوا منه إلا البشرية ، أنكروا هدايته . فإن كل عارف لا يعرف معروفه إلا بالمعنى الذي فيه ، فلا يوجد النور الكمالي إلا بالنور الفطري ، ولا يعرف الكمال إلا الكامل ؛ ولهذا قيل : لا يعرف الله إلا الله . وكل طالب وجد مطلوبه بوجهٍ ما دالاً لما أمكن به التوجه نحوه . وكذا كل مصدق بشيء ، فإنه واجد للمعنى المصدق به ، بما في نفسه من ذلك المعنى . فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري أصلاً ، لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ، ولم يعرفوا من الحق شيئاً فيحدث فيهم طلب ، فيحتاجوا إلى الهداية فأنكروا الهداية . { فَكَفَرُواْ } أي : بالحق والدين والرسول { وَتَوَلَّواْ } أي : عن التدبر في الآيات البينات ، { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } أي : أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم ، حيث أهلكهم وقطع دابرهم ، ولولا غناه تعالى عنهم لما فعل ذلك . فـ { وَّٱسْتَغْنَىٰ } معطوف على ما قبله ، وجوز جعله حالاً بتقدير ( قد ) . أي : وقد استغنى بكماله ، عرفوا أو لم يعرفوا . { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ } أي : بذاته عن العالمين فضلاً عن إيمانهم ، لا يتوقف كمال من كمالاته عليهم ، ولا على معرفتهم له . { حَمِيدٌ } أي : يحمده كل مخلوق ، أو مستحق للحمد بنفسه ، وإن لم يحمده حامد .