Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-157)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ } بدل من الموصول الأول ، بدل الكل ، أو منصوب على المدح ، أو مرفوع عليه ، أي : أعني الذين أو هم الذين { يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ } أي : الذي أرسل إلى الخلائق لتكميلهم { ٱلنَّبِيَّ } أي : الذي نبئ بأكمل الإعتقادات والأعمال والأخلاق والأحوال والمقامات من جهة الوحي { ٱلأُمِّيَّ } أي : الذي لم يحصل علماً من بشر { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً } أي : باسمه ( محمد وأحمد ) ونعوته { عِندَهُمْ } زيد هذا لزيادة التقرير ، وأن شأنه عليه الصلاة والسلام حاضر عندهم لا يغيب عنهم أصلاً { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } يعني : الإيمان بالله ، ووحدانيته والشرائع ومكارم الأخلاق ؛ لأن جميع ذلك تعرف صحته إما بالعقل وإما بالشرع { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يعني : الكفر والشرك والمعاصي ومساوئ الأخلاق ، لأن العقل والشرع ينكره { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي : التي حرمت عليهم لمعاصيهم { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } أي : التي كانوا يتناولونها كالخنزير والميتة والدم - هذا في باب المأكولات { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } أي : الأمر الذي يثقل عليهم من التكاليف الشاقة { وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } جمع ( غُلّ ) بالضم ، وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد ، يستعار للشرائط الحرجة والمواثيق الشديدة ، أي : يخفف عنهم ما كلفوه منها - وهذا في باب العبادات { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ } أي : بالنبيّ الأمي وهو محمد صلى الله عليه وسلم { وَعَزَّرُوهُ } أي : عظموه ووقروه { وَنَصَرُوهُ } أي : على أعدائه في الدين فمنعوهم عنه { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } وهو القرآن ، فأحلوا حلاله ، وحرّموا حرامه . ولا يقال : القرآن أنزل مع جبريل ، فما معنى { أُنزِلَ مَعَهُ } ؟ لأن المراد أنزل مع نبوّته ، لأن استنباءه كان مصحوباً بالقرآن مشفوعاً به ، ويجوز أن يعلق بـ ( اتبعوا ) أي واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النبي ، والعمل بسنته ، وبما أمر ونهى عنه ، فيكون أمراً بالعمل بالكتاب والسنة ، أو هو حال ، أي : اتبعوا القرآن كما اتبعه ، مصاحبين له في اتباعه . وفي التعبير عن القرآن بـ ( النور ) المنبئ عن كونه ظاهراً بنفسه لإعجازه ، ومظهراً لغيره من الأحكام ، لمناسبة الاتباع { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزون بالرحمة ، والناجون من النقمة . تنبيهات الأول : يظهر من سياق الآية أن قوله تعالى : { قَالَ عَذَابِيۤ … } [ الأعراف : 156 ] الخ ، جواب لموسى عليه السلام ، وذلك أنه دعا بالمغفرة لقومه أجمعين ، وكتابة حسنتي الدنيا والآخرة لهم ، فأجيب أولاً بأن ذلك لا يحصل لقومه كلهم ، برًّ أو فاجراً ، لما سبق من تقديره سبحانه العذاب لمن يشاء من الفجار حكمة منه وعدلاً . ولذلك قرأ الحسن وزيد بن عليّ هنا ( من أساء ) فعل ماض من ( الإساءة ) ، وفي طيه أن ما أصاب قومه من الرجفة من عذابه تعالى ، الذي شاء إصابتهم به لأفاعيلهم . وثانياً إنه لا يستأهل كتابة الحسنتين إلا المتقون المتصدقون المؤمنون بالآيات ، المتبعون للنبيّ الأمي ، فمن استقام على هذه الشرائط ، كتب له ذلك . ولا يقال - على هذا - كيف يتبعونه ولم يدركوا زمنه ؟ لأنا نقول : الإتباع أعم من الإتباع ( بالقوة ) ، وذلك بالإيمان به إجمالاً ، حسبما أشار له الكتابان ، لمن تقدم موته على زمن بعثته ، وإما ( بالفعل ) لمن لحق زمان بعثته . وفيه تبشير لموسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعريف له بشأنه وإعلام بأن كتابة الرحمة موقوفة على اتباعه . وعليه فيكون قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } بدلاً من الموصول الأول ، بدل الكل ، أو منصوب على المدح ، أو مرفوع عليه . أي : أعني الذين ، أو هم الذين . وقال بعضهم : إن جواب موسى ينتهي إلى قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 156 ] وما بعده مستأنف ، فكأنه تعالى أعلم موسى بأنه ذو عذاب ، يصيب به من يشاء ، كما أصاب أصحاب الرجفة ، وذو رحمة واسعة ، تكتب للمتقين المتصدقين المؤمنين بالآيات ، أي : فأمر قومك بأن يكونوا من الفريق المرحوم بالمشي على هذا الوصف المرقوم . ثم استأنف تعالى الإخبار عمَّن يتبع النبيّ الأميّ بأنهم المفلحون حقاً ، وعليه فيكون قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } مبتدأ ، خبره { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ، وتكون القصة استتبعت أعقاب بني إسرائيل ، بأنهم إذا اتبعوا النبي الأمي ، كانوا هم المفلحين . وجوز بعضهم أن يكون قوله تعالى : { قَالَ عَذَابِيۤ } [ الأعراف : 156 ] ارتجال خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، قصد به إعلام أهل الكتاب المعاصرين له ، صلى الله عليه وسلم بأنهم إذا اتبعوه وآمنوا به وصدقوه ، حقت لهم رحمته تعالى الواسعة ، وإلا فلا يأمنوا أن يصابوا بانتقامه تعالى ، كما جرى لأسلافهم . وفي ذلك كله من التنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المتقين ، ما لا يخفى . الثاني : تطلق الرحمة على التعطف والمغفرة والإحسان - هذا ما ذكر في اللغة - وعندي أن القرآن الكريم قد تطلق فيه على الجنة ، كما قال تعالى : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [ الإنسان : 31 ] بدليل المقابلة بقوله : { وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان : 31 ] فلعل الرحمة في قوله تعالى هنا : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] بمعنى : الجنة ، بدليل مقابلتها بالعذاب قبل . والله أعلم . وقال أبو منصور : ما من أحد مسلم وكافر ، إلا وعليه من آثار رحمته في هذه الدنيا . بها يتعيشون ويؤاخون ويوادّون ، وفيها ينقلبون ، لكنها للمؤمنين خاصة في الآخرة ، لا حظَّ للكافر فيها ، وذلك قوله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 156 ] أي : معصية الله ، والخلاف له { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ } [ الأعراف : 156 ] كقوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ الأعراف : 32 ] جعل طيبات الدنيا ونعيمها مشتركة بين المسلم والكافر ، خالصة للذين آمنوا يوم القيامة ، لاحظّ للكافر فيها . فعلى ذلك رحمته نالت كل أحد في هذه الدنيا ، لكنها للذين آمنوا واتقوا الشرك خاصة في الآخرة ، ويحتمل قوله - و الله أعلم . { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ } [ الأعراف : 156 ] أنهم سألوا الرحمة ، فقال : سأكتبها للذين يتقون معاصي الله ومخالفته . انتهى . الثالث : إنما أفرد ( الزكاة ) بالذكر ، مع دخولها في التقوى قبل ، لعلوّها وشرفها ، فإنها عنوان الهداية ، ولأنها كانت أشق عليهم ، فذكرها لئلا يفرّطوا فيها . الرابع : كونه صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ ، أمر مقرر مشهور . وهل صدر عنه ذلك في كتابة صلح الحديبية كما هو ظاهر الحديث المشهور ، أو أنه لم يكتب ، وإنما أسند إليه مجازاً ، أو أنه صدر منه ذلك معجزة ؟ - انظر في ( فتح الباري ) تفصيله . و ( الأميّ ) نسبة إلى أمة العرب ؛ لأن الغالب عليهم كان ذلك ، كما في الحديث : " إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب " ، وأما نسبته إلى ( أم القرى ) فلأن أهلها كانوا كذلك . أو إلى ( أُمِّهِ ) ، كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها . وقيل : إنه منسوب ( إلى الأمّ ) - بفتح الهمزة - بمعنى القصد ؛ لأنه المقصود ، وَضَمُّ الهمزة من تغيير النسب . ويؤيده قراءة يعقوب ( الأمي ) - بفتح الهمزة - وإن احتملت أن تكون من تغيير النسب أيضاً ، وإنما وصفه تعالى به تنبيهاً على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته ، فهي له مدح وعلوّ كعب ، لأنها معجزة له ، كما قال البوصيري : @ * كفَاكَ بالعلمِ في الأمِّيِّ مُعْجزةَ * @@ كما أن صفة التكبر لله مادحة ، وفي غيره ذامة ، كذا في ( العناية ) . الخامس : في قوله تعالى : { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } إشارة إلى بشائر الأنبياء عليهم السلام ، بنبوته صلى الله عليه وسلم . قال الماورديّ في ( أعلام النبوة ) : في الباب الخامس عشر في بشائر الأنبياء بنبوته عليه الصلاة والسلام : إن لله تعالى عوناً على أوامره ، وإغناءً عن نواهيه ، فكأن أنبياء الله تعالى معانين على تأسيس النبوة ، بما تُقَدمه من بشائرها ، وتبديه من أعلامها وشعائرها ، ليكون السابق مبشراً ونذيراً ، واللاحق مصدقاً وظهيراً ، فتدوم بهم طاعة الخلق ، وينتظم بهم إستمرار الحق . وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، مما هو حجة على أممهم ، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم ، بما أطلعه الله تعالى على غيبه ، ليكون عوناً للرسول ، وحثاً على القبول . فمنهم من عيّنه باسمه ، ومنهم من ذكره بصفته ، ومنهم من عزاه إلى قومه ، ومنهم من أضافه إلى بلده ، ومنهم من خصه بأفعاله ، ومنهم من ميّزه بظهوره وإنتشاره . وقد حقق الله تعالى جميعها فيه ، حتى صار جليّاً بعد الإحتمال ويقيناً بعد الإرتياب ، ثم سرد الماورديّ البشائر من نصوص كتبهم . وجاء في ( إظهار الحق ) ما نصه : إن الإخبارات الواقعة في حق محمد صلى الله عليه وسلم ، كثيرة إلى الآن أيضاً ، مع وقوع التحريفات في هذه الكتب . ومن عرف أولاً طريق إخبار النبي المتقدم ، عن النبي المتأخر ، على ما عرفت في الأمر الثاني - يعني في كلامه - ثم نظر ثانياً بنظر الإنصاف إلى هذه الإخبارات ، وقابلها بالإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام ، جزم بأن الإخبارات المحمدية في غاية القوة . وجاء في ( منية الأذكياء في قصص الأنبياء ) ما نصه : إن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بشرت به الأنبياء السالفون ، وشهدوا بصدق نبوته ، ووصفوه وصفاً رفع كل احتمال ، حيث صرحت باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته . غير أن أهل الكتاب حذفوا اسمه - يعني من نسخهم الأخيرة - إلا أن ذلك لم يجدهم نفعاً ، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة ، وهي أظهر دلالة من الاسم على المسمى ، إذ قد يشترك اثنان في اسم ، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف . لكن من أمد غير بعيد ، قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ، ليبعد صدقها على النبي عليه الصلاة والسلام ، فترى كل نسخة متأخرة ، تختلف عما قبلها في بعض المواضع ، اختلافاً لا يخفى على اللبيب أمره ، ولا ما قصد به ، ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم لانتشار النسخ بالطبع ، وتيسر المقابلة بينها . وها نحن نورد شذرة من البشائر لديهم : فمنها : في الباب السادس عشر من سفر التكوين في حق هاجر هكذا : 11 - وقال لها ملاكُ الربِّ ها أنتِ حُبْلَى فتلدين إبناً ، وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك . 12 - وإنه يكون إنساناً وحشياً ، يده على كل واحد ويد كل واحد عليه ، وأمامَ جميع إخوته يسكن . هذه بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لا بجده إسماعيل ؛ لأن إسماعيل عليه السلام ، لم تكن يده فوق يد الجميع ، ولا كانت يد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع . بل في التوراة أن إسماعيل وأمه هاجر أُخرجا من وطنهما مكرهين ، ولم يرث إسماعيل مع إسحاق ، وكان الملك والنبوة في بني إسحاق ، وكان بنو إسماعيل في البراري العطاش ، ولم يسمع أن الأمم دانت لهم ، حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدانت له الملوك ، وخضعت له الأمم ، وعلت يده وأيدي بني إسماعيل على كل يد ، وصارت يد كلٍّ بهم ، فكان ذكر إسماعيل مقصوداً به ولده . كما أن في مواضع كثيرة من التوراة ، ذكر يعقوب ، والمقصود بالذكر ولد يعقوب . فمن ذلك قوله في السفر الخامس : ( يا إسرائيلُ ! ألا تخشى الله رَبَّكَ ، وتَسْلُكُ في سَبِيِلهِ وتعمل له ؟ ) فهذا خطاب لبني إسرائيل باسم أبيهم ، وكذلك قوله لقوم موسى : ( اسمع إسرائيل ، ثم احفظ ، واعمل يحسن إليك ربك ، وتكثر وتنعم ) ونظائره كثيرة . فظهر أنه قد يذكر إسم الأب ، ويراد الإبن مجازاً ، بقرينة الحال ، وإلا لزم الخلف في خبره تعالى . ومنها : في الباب الثالث والثلاثين من سفر التثينة هكذا : 1 - وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجلُ الله بني إسرائيل قبل موته . 2 - فقال : جاء الربّ من سيناءَ وأشرق لهم من سَعِيرَ وتلألأ من جبل فَارَان وأتى من رِبْوَاتِ القُدسِ ، وعن يمينه نارُ شريعةٍ لهم . ولا غموض بأن مجيء الله جل وعلا من سيناء عبارة عن إنزاله التوراة على موسى بطور سينا - هكذا يفسره أهل الكتاب - والأمر كذلك ، فيجب أن يكون إشراقه من سعير عبارة عن إنزاله الإنجيل على المسيح ، وكان المسيح يسكن أرض الجليل من سعير بقرية تدعى ( ناصرة ) ، وإسم النصارى مأخوذ منها . وإستعلاؤه من جبال فاران عبارة عن إنزاله القرآن على محمد في جبل فاران ، وفاران هي مكة ، لا يخالفنا في ذلك أهل الكتاب . ففي الباب الحادي والعشرين من سفر التكوين في حال إسماعيل عليه السلام هكذا : 20 - وكان الله مع الغلام فكبُر . وسكن في البريَّة ، وكان ينمو رامِيَ قوس . 21 - وسكن في برِّيَّة فاران ، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر . ولا شك أن إسماعيل كان سكنه في مكة ، وفيها مات ، وبها دفن . وهذه البشارة صريحة في نبينا صلى الله عليه وسلم ، ظاهرة لا تخفى إلا على أكمة لا يعرف القمر . فأي نبي ظهر في مكة بعد موسى غير محمد ، وانتشر دينه في مشارق الأرض ومغاربها ، كما يقتضيه الاستعلان المذكور في البشارة . ومنها : في الباب الثامن عشر من سفر التثنية هكذا : 17 - قال لي الرب : قد أحسنوا في ما تكلموا . 18 - أُقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكل ما أوصيه به . 19 - ويكون أن الإنسانَ الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه . هذه البشارة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم قطعاً ؛ لأنه من ذرية إسماعيل ، وذريته يسمون إخوة لبني إبراهيم ، بدليل ما ذكر في التوراة في حق إسماعيل ، وأنه قبالة إخوته ، ينصب المضارب . وقد جرت عادة الكتب المنزلة بتسمية أبناء الأعمام ، عن بعد بعيد ، إخوةَ ، كما دعى في القرآن هود وصالح ، إخوة لعاد وثمود ، مع أنهما على بعد بعيد من أولاد الأعمام . وكما قيل في سفر العدد في الباب العشرين : 14 - وأرسل موسى رسلاً من قَادَشَ إلى ملك أدُومَ . هكذا يقول أخوك إسرائيل قد عرفت كلَّ المشقة التي أصابتنا ( مع أنهما أبناء أعمام على بعدٍ بعيد ) . وليست هذه الشهادة في حق أحد من أنبياء بني إسرائيل ، وإلا ، لقال : وسوف أقيم لهم نبياً مثلك منهم أو من أنفسهم كما قال تعالى إخباراً بدعوة إبراهيم عليه السلام لولد إسماعيل : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [ البقرة : 129 ] ، وكما قال تعالى في خطاب بني إسماعيل : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] . وأما ما زعمته اليهود من أن المراد يوشع ، فتى موسى ، فهو باطل من وجوه : 1 - أن المبشر به من إخوة بني إسرائيل ، لا من نفس بني إسرائيل ، ويوشع كان من نفس بني إسرائيل . 2 - أن يوشع لم يكن مثل موسى عليه السلام ، لما في آخر سفر التثنية ( الإصحاح الرابع والعشرون ) . 10 - ولم يقم بعدُ نبيُّ في بني إسرائيل مثلُ موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه . ولأن موسى عليه السلام صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواه ، ويوشع ليس كذلك ، بل هو مأمور باتباع شريعة موسى . 3 - أن يوشع عليه السلام كان حاضراً هناك ، وقد أشير إليه بعبارة صريحة قبل هذه ففي الباب الأول من هذا السفر . 38 - يَشُوعُ بن نونٍ الواقفُ أمامك هو يدخل إلى هناك ، شدِّده لأنه هو يقسمها لإسرائيل . فأي مقتضٍ للرمز والتلويح ، بعد هذا التصريح ؟ وأي موجب لإدخال ( سوف ) الدالة على الاستقبال ، على فعل حاصل في الحال ؟ وأما ما زعمته النصارى من أن المراد به عيسى عليه السلام ، فهو أيضاً باطل ، لوجوه : 1 - أنه من بني إسرائيل ، والمبشَّر به هنا من غيرهم . 2 - أن موسى بشَّر بنبيّ مثله ، وهم يدّعون أن عيسى إله ، وينكرون كونه نبيّاً مرسلاً ، وإلا لزم اتحاد المرسِل والمرسَل ، وهو غير معقول ، على أن مشابهة موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام ، أقوى من مشابهته لعيسى ، لاتحادهما في أمور : 1 - كونهما ذَوَى والدَيْن وأزواج ، بخلاف عيسى عليه السلام . 2 - كونهما مأمورين بالجهاد ، بخلاف عيسى عليه السلام . وقد أشار في هذه البشارة بقوله : 19 - ويكون أي الإنسان الذي لا يسمع لكلامي ، الذي يتكلم به باسمي ، أنا أطالبه . إلى كون هذا النبي مأموراً بجهاد من كفر بما جاء به من عند الله ، والإنتقام منه بسيفه البتّار . وزعمت النصارى أن الإنتقام هنا بمعنى العذاب الأخرويّ لمنكريه ، وهو خطأ ؛ لأن ذلك لا يختص بهذا النبي ، بل كل من أنكر ما جاء به نبي من الأنبياء ينتقم منه في الآخرة ، فلا معنى لتخصيص هذا النبي بالذكر حينئذ . 3 - كون شريعتهما مشتملة على الحدود والقصاص والتعزير وإيجاب الغسل على الجنب والحائض والنفساء ، وإيجاب الطهارة وقت العبادة ، وهذه كلها ليست موجودة في شريعة عيسى عليه السلام - على ما تقول النصارى - ونظائر ذلك كثيرة . وفي هذا البشارة إشارة إلى كون هذا النبي أميًّا لا يقرأ ، حيث قال : ( يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي ) وبذلك تعرف سر وصفه به في قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ … } الآية التي نحن في صددها . ومنها - في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : ( إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد ، روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ، ولا يعرفه . وأنتم تعرفونه ؛ لأنه مقيم عندكم ، وهو ثابت فيكم ) . وهذه بشارة من المسيح عليه السلام بأن الله تعالى سيبعث للناس من يقوم مقامه ، وينوب في تبليغ رسالته ، وسياسة خلقه ، منابه ، وتكون شريعته باقية مخلدة أبداً ، وهل هذا إلا محمد صلى الله عليه وسلم . و ( الأب ) هنا بمعنى الرب والإله ؛ لأنه اصطلاح أهل الكتابين . وقد أشار عيسى عليه السلام بكونه ( روح الحق ) إلى أن الحق قبل مبعثه ، يكون كالميت لا حراك له ، ولا انتعاش ، وأنه إذا بعث يكون كالروح له ، فيرجع حينئذ قائماً في الأرض . ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام ، هو الذي أحيى الله به الحق بعد عيسى عليه السلام ، بعد ما اندرس ، ولم يبق فيه نفس . ثم قال : ( والفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شي ، وهو يذكركم كل ما قلته لكم ) . ولا شك بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي علم كل شيء من الحقائق ، وأوضح ما خفي من الدقائق ، وذكر أمة عيسى ما نسوه من أقواله المتضمنة أنه عبد من عباد الله تعالى ، قربه إليه بالرسالة واصطفاه ، وأنه لم يَدْعُ لسوى عبادة الله وتوحيده ، وتنزيهه وتمجيده . وقوله : ( باسمي ) أي : بالنبوة . ثم أَبَان لهم سبب إخبارهم به قبل أن يأتي فقال : ( والآن قد قلت لكم قبل أن يكون ، حتى إذا كان ، تؤمنون ) . وفي الباب الخامس عشر من الإنجيل المذكور : ( فأما إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينشق ، وهو يشهد لأجلي ، وأنتم تشهدون ، لأنكم معي من الابتداء ) . وفي الباب السادس عشر منه : ( لكني أقول لكم الحق ، إنه خير لكم أن أنطلق ، لأني إن لم أنطلق ، لم يأتكم الفارقليط . فأما إن انطلقت أرسلته إليكم ، فإذ جاء ذاك ، فهو يوبخ العالم على خطيئة ، وعلى بر ، وعلى حكم . أما على الخطيئة فلأنهم لم يؤمنوا بي . وأما على البر فلأني منطلق إلى الأب ، ولستم ترونني بعدُ . وأما على الحكم ، فإن رئيس هذا العالم قد دين . وإن لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ، ولكنكم لستم تطيقون حمله . وإذا جاء روح الحق ذاك ، فهو يعلمكم جميع الحق ؛ لأنه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بكل ما يسمع ، ويخبركم بما سيأتي ، وهو يمجدني ؛ لأنه يأخذ مما هو لي ، ويخبركم جميع ما هو للأب ، فهو لي . من أجل هذا قلت : ( إن مما هو لي يأخذ ويخبركم ) . ومن أمعن النظر في هذه العبارات ، ولاحظ ما اشتملت عليه من الفحاوي والإشارات ، جزم بأن ( الفارقليط ) هو محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي ظهر بعد عيسى عليه السلام ، وشهد لعيسى بالنبوة والرسالة ، ومجده وبرّأه مما افتراه عليه النصارى من دعوى الربوبية ، ومما افتراه عليه اليهود من كونه ساحراً كذاباً ، وعلى والدته من كونها غير طاهرة الذيل ، بريئة الساحة ، وهو الذي وبخ العالم ، سيما اليهود ، على الخطايا ، لا سيما خطيئة الكفر بعيسى عليه السلام ، والطعن في والدته الطاهرة البتول ، وهو الأمين الصادق ، الذي علم جميع الحقائق ، هو الذي أَبان من الأسرار ما لم تطق تحمله قبل مجيئه الأفكار ، وهو الذي لا { يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 3 - 5 ] . وفسر العلامة ابن قتيبة : ( روح الحق الذي من الأب ينبثق ) أي يصدر بكلام الله المنزل ، واستدل بقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] ، والمراد به هنا القرآن الكريم ؛ لأنه هو الذي يشهد للمسيح بالنبوة والنزاهة ، عما افترى عليه ، وبأنه روح الله وكلمته وصفيّه ورسوله ، كما شهد الحواريون الذين كانوا معه ، واهتدوا بهديه . ولم يثبت شهادة كتاب غير القرآن بذلك ، فتعين أن يكون هو المراد . وفي قول عيسى عليه السلام : ( إنه خير لكم أن أنطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط ) إشارة إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل . ولفظ ( فارقليط ) يونانيّ الأصل ، قيل : أصله باراكلي طوس ، بمعنى المعزِّى والمعين والوكيل أو الشافع . وقيل : بير كلوطوس ، فيكون قريباً من معنى محمد وأحمد . ومعلوم أن المسيح عليه السلام ، كان يتكلم باللسان العبرانيّ ، الذي كان لسان قومه ، وما كان يتكلم باليونانيّ ، لأنه كان عبرانيّاً ابن عبرانية ، نشأ في قومه العبرانيين ، فنقلُ أقواله في هذه الأناجيل ، نقلٌ بالمعنى . فترجيح من رجح من النصارى ، أن أصل فارقليط هو الأول ، ترجيح بلا مرجح ، والتفاوت بين اللفظين يسير جداً ، والحروف اليونانية متشابهة . وأيًّا كان أصله ، فالإستدلال صحيح ، لصدق اللفظ بمعانيه كلها على النبي صلى الله عليه وسلم صدقاً جلياً ، لا يخفى إلا على مشاغب . وقد كانت هذه البشارة سبب إسلام الفاضل عبد الله الترجمان ، كما بينه في كتابه ( تحفة الأديب في الرد على أهل الصليب ) . وقد نبذ النصارى بعدُ الأناجيل المصرحة باسم ( محمد ) لكونها شجى في حلوق أهوائهم ، كإنجيل ( برنابا ) ففيه التصريح بقوله : ( إلى أن يجيء محمد رسول الله ) كما نقله في ( إظهار الحق ) . وإذا كان حالهم في تراجمهم ، في لقب إلههم ، ولقب خليفته ما علم فكيف يرجى منهم صحة بقاء لفظ ( محمد أو أحمد ) ؟ ! إلا أن سيف الحق أمضى ، وسهام الصواب أنفذ ، فثمة من الأوصاف الصريحة ، والأشائر الصحيحة ، ما لا يبقى معه وقفة لحائر . هذا ، وفي كتبهم بشائر كثيرة ، تعرض لذكرها جلة من العلماء ، مما أناف على العشرين . قال الماورديّ : لعل ما لم يصل إلينا منها أكثر . وقد اقتصرنا على ما قدمنا ، رَوْماً للإختصار ، ولسهولة الوقوف على البقية ، من مثل ( أعلام النبوة للماوردي ) و ( إظهار الحق ) وغيرهما . وقد قال صاحب ( إظهار الحق ) الشيخ رحمه الله ، عليه رحمة الله : إن من أسلم من علماء اليهود والنصارى في القرن الأول ، شهد بوجود البشارات المحمدية في كتب العهدين ، مثل عبد الله بن سلام ، وأبني سعية ، وبنيامين ، ومخيريق ، وكعب الأحبار ، وغيرهم من علماء اليهود ، ومثل بحيرا ونسطورا الحبشي ، وضغاطر ، وهو الأسقف الرومي الذي أسلم على يد دِحْية الكلبي وقت الرسالة فقتلوه ، والجارود ، والنجاشي ، والسوس ، والرهبان الذي جاءوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وغيرهم من علماء النصارى . وقد اعترف بصحة نبوته ، وعموم رسالته ، هرقل قيصر الروم ، ومقوقس صاحب مصر ، وابن صوريا ، وحُيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب وغيرهم ، ممن حملهم الحسد على الشقاء ولم يسلموا . ولما ورد على النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران ، وحاجهم في شأن عيسى عليه السلام وحجّهم ، دعاهم إلى المباهلة بأمره تعالى ، فنكصوا على أعقابهم ، خوفاً من شؤم مغبتها ، فكانوا كقوم فرعون آمنوا بها { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [ النمل : 14 ] . السادس : قوله تعالى : { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } يحتمل أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون مفسراً لـ { مَكْتُوباً } أي لما كتب . السابع : الطيبات أعم من الطيبات في المأكل كالشحوم ، وكذا البحائر والسوائب والوصائل والحام . ومن الطيبات في حكم الشريعة كالبيع ، وما خلا كسبه عن سحت . وكذا الخبائث ما يستخبث ، من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير وما أُهِلَّ لغير الله به ، أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة وغيرهما من المكاسب الخبيثة . قيل : يستبعد إرادة ما طاب أو خبث في الحكم ؛ لأن معناه حينئذ ما حكم الشرع بحله ، أو حكم بحرمته ، فيرجع الكلام إلى أنه يحل ما يحكم بحله ، ويحرّم ما يحكم بحرمته ، ولا فائدة فيه . وردّوه بأن يفيد فائدة وأيّ فائدة ! لأن معناه أن الحل والحرمة بحكم الشرع ، لا بالعقل والرأي . الثامن : في قوله تعالى : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم جاء بالتيسير والسماحة ، كما ورد الحديث من طرقٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري ، لما بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ، ويسراً ولا تعسراً ، وتطاوعا ولا تختلفا " . وقدمنا أن ( الإصر والأغلال ) استعارة لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة . فمنها تحريم طبخ الجدي بلبن أمه ، ومنها نظام الأعياد التي يعيّدونها لله في السنة وهي عيد الفطير وعيد الحصاد وعيد المظال ، وكذلك عيد كل سبت ، لا يعمل فيه أدنى عمل . وكذلك سبت المزارع . ففي كل سنة سابعة سبت للأرض ، لا يزرع فيها ، ولا يقطف الكرم ، بل تترك الأراضي عطلاً ، وغلات الكروم مأكلاً لفقراء شعبهم ووحوش البرية . ومنها أن من ضرب أباه أو أمه أو شتمهما أو تمرد عليهما وعصاهما يقتل حدًّا . وكذا من يعمل يوم السبت يقتل . ومن كان به جن أو تابعة يرجم بالحجارة حتى يموت . ومن تزوج فتاة فادعى أنه لم يجد لها عذرة ، ثم تبين كذبه ، جميعاً يقتلان ، وإذا أمسكت امرأةٌ عورة رجل تقطع يدها . وإذا نطح ثور رجلاً أو امرأة فمات المنطوح ، ويُرجم الثور ولا يؤكل لحمه ، ومن اضطجع مع امرأة طمث يقطعان من شعبهم . ومن طلق امرأته ثم تزوجت آخر . وطلقها أو مات عنها ، فلا يجوز لزوجها الأول أن يرجعها . وغير ذلك من الآصار التي تقدم بعضها في آخر سورة البقرة - فراجعه . التاسع : قال الجشمي : تدل الآية على أن شريعته صلى الله عليه وسلم أسهل الشرائع ، وأنه وضع عن أمته كل ثقل كان في الأمم الماضية ، وذلك نعمة عظيمة على هذا الأمة . وتدل على وجوب تعظيم الرسول ، ونصره بالجهاد ، ونصرته بنصرة دينه ، وكل أمر يؤدي إلى توهين ما يتصل بذلك ؛ لأن جميع ذلك من باب النصرة . وهذا لا يختص بعصره . فجميع ذلك لازم إلى انقضاء التكليف . ولعل الجهاد بالبيان ، وإيراد الحجة ، ووضع الكتب فيه ، وحلّ شبه المخالفين ، يزيد في كثير من الأوقات على الجهاد بالسيف ، ولهذا قلنا ( منازل العلماء في ذلك أعظم المنازل ) اهـ . العاشر : قال العلامة البقاعيّ : لما تراسلت الآي ، وطال المدى في أقاصيص موسى عليه السلام ، وبيان مناقبه العظام ، ومآثره الجسام ، وكان ذلك ربما أوقع في بعض النفوس أنه أعلى المرسلين منصباً ، وأعظمهم رتبة ساق سبحانه هذه الآيات ، هذا السياق ، على هذا الوجه ، الذي بين أعلاهم مراتب ، وأزكاهم مناقب ، الذي خص برحمته من يؤمن به من خلقه ، قوة أو فعلاً . وجعل سبحانه ذلك في أثناء قصة بني إسرائيل ، اهتماماً به ، وتعجيلاً له ، مع ما سيذكر ، مما يظهر أفضليته ، ويوضح أكمليته ، بقصته مع قومه ، في مبدأ أمره وأوسطه ومنتهاه ، وفي سورة ( الأنفال ) و ( براءة ) بكمالهما . ثم قال البقاعيَّ : لما تم ما نظمه تعالى في أثناء هذه القصص ، من جواهر أوصاف هذا النبيّ الكريم ، حث على الإيمان به ، إيجاباً على وجهٍ علم منه أنه رسول الله إلى كل مكلف ، تقدم زمانه أو تأخر - أمَرَهُ سبحانه أن يصرح بما تقدم التلويح إليه ، ويصرح بما أخذ ميثاق الرسل عليه ، تحقيقاً لعموم رسالته ، وشمول دعوته ، فقال سبحانه : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } .