Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 179-179)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي : خلقنا { لِجَهَنَّمَ } أي : لدخولها والتعذيب بها { كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } وهم الكفار من الفريقين ، الموصوفون بقوله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } أي : آيات الله الهادية إلى الكمالات { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } أي : دلائل وحدته ، بَصَرَ اعتبار { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } أي : الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ، يعني : أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأحقاف : 26 ] . { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } أي : السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها ، إلا في الذي يقيتها ، كقوله تعالى : { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } [ البقرة : 171 ] أي : ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان ، كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها ، لا تسمع إلا صوته ، ولا تفقه ما يقول . وقوله تعالى : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أي : من الأنعام ، إذ ليس للأنعام قوة تحصيل تلك الكمالات ودفع تلك النقائص ، وهم مع ما لهم من تلك القوة قد خلوا عن الكمالات ، وعن دفع أضدادها ، فكانوا أردأ حالاً منها ؛ لنقصهم مع وجود قوة الكمال فيهم . وأيضاً : الأنعام تبصر منافعها ومضارها ، فتلزم بعض ما تبصره ، وهؤلاء ، أكثرهم يعلم أنه معاند ، فيقدم على النار . وأيضاً : الأنعام قد تستجيب لراعيها ، وإن لم تفقه كلامه ، بخلاف هؤلاء ، وأيضاً : إنها تفعل ما خلقت له ، إما بطبعها ، وإما بتسخيرها ، بخلاف هؤلاء ، فإنهم خلقوا ليعبدوا الله ، ويوحدوه ، فكفروا به وأشركوا { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أي : عن تلك الكمالات والنقائص ، ليهتموا لتحصيلها ودفعها ، اهتمامهم لجر المنافع الدنيوية ، ودفع مضارها . تنبيه قال أبو السعود : المراد بهؤلاء الذي ذرؤوا لجهنم ، الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ، لكن لا بطريق الجبر ، من غير أن يكون من قِبَلِهم ما يؤدي إلى ذلك ، بل لعلمه تعالى بأنهم لا يصرفون اختيارهم نحو الحق أبداً ، بل يصرّون على الباطل من غير صارف يلويهم ، ولا عاطف يثنيهم من الآيات والنذر . فبهذا الاعتبار جعل خلقهم مغياً بها ، كما أن جميع الفريقين باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة ، وتمكنهم التام منها ، جعل خلقهم مغياً بها . كما نطق به قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] .