Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 180-180)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } روى مقاتل أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال بعض المشركين : إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فنزلت الآية . و { ٱلْحُسْنَىٰ } تأنيث ( الأحسن ) . والمعنى : لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها ، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها { فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } أي : يميلون عن الإقرار بها ويجحدونها ، ويعدلون عنها كفراً بها . كقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [ الفرقان : 60 ] أي : زادهم ذكر الرحمن نفوراً ، ولذا قال تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] . وقوله تعالى : { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني : في الآخرة ، من جحدهم إياها ونفورهم عن الإيمان بها . تنبيهات الأول : قال السيد محمد بن المرتضى اليمانيّ في ( إيثار الحق ) : مقام معرفة كمال هذا الرب الكريم . وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى ، من تمام التوحيد ، الذي لا بد منه ، لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى ، ونعوتها الشريفة . ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم . ولذلك عدّ مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها ، من أعظم مكائدهم للإسلام . فإنهم عكسوا المعلوم عقلاً وسمعاً ، فذموا الأمر المحمود ، ومدحوا الأمر المذموم ، القائم مقام النفي والجحد المحض . وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة . قال الله جل جلاله : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ … } الآية وقال : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ … } [ الإسراء : 110 ] - فما كان منها منصوصاً في كتاب الله ، وجب الإيمان به على الجميع ، والإنكار على من جحده ، أو زعم أن ظاهره اسم ذم لله سبحانه . وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته . وما نزل عن هذه المرتبة ، أو كان مختلفاً في صحته ، لم يصح استعماله . فإن الله أجل من أن يسمى باسم لم يتحقق أنه تسمى به . انتهى . الثاني : روى الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسماً ، من حفظها دخل الجنة ، والله وتْرٌ يحب الوتر " ، وفي رواية : " من أحصاها " قال البخاري : أحصيناه : حفظناه . وأخرجه الترمذي وزاد سوق الأسماء معدودة . ثم قال : ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث . ورواه ابن ماجة أيضاً . فسرد الأسماء بزيادة ونقصان . قال الحافظ ابن كثير : والذي عول عليه جماعة من الحفاظ ؛ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعانيّ عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك . أي : أنهم جمعوها من القرآن . كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان عن عيينة وأبي زيد اللغويّ . انتهى . وقال النووي : اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى . وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين ، وإنما المقصود من الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها ، لا الإخبار بحصرها . ولهذا جاء في الحديث الآخر : " أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربيّ المالكيّ عن بعضهم ؛ أن لله ألف اسم . انتهى . وقال السيد اليماني في ( إيثار الحق ) : عادة المتكلمين أن يقتصروا هنا على اليسير من الأسماء ، ولا ينبغي ترك شيء منها ، ولا اختصاره ! فإن ذلك كالإختصار للقرآن الكريم . ولو كان منها شيء لا ينبغي اعتقاده ولا ذكره ، ما ذكره الله تعالى في القرآن العظيم . وعادة بعض المحدثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها ، مع الإختلاف الشهير في صحته . وحسبك أن البخاريّ ومسلماً تركا تخريجه مع رواية أوله . واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه ، ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضاً لفضل الله العظيم في وعده ، من أحصاها ، بالجنة . كما اتفق على صحته . وليس يستيقن إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه اسم غير تلك الأسماء . فأما إذا كانت أسماؤه سبحانه أكثر من أن تحصى ، بطل اليقين بذلك ، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله ، وما اتفق على صحته بعد ذلك ، وهو النادر . وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي بالضرورة والنص . أما الضرورة ، فإن في كتاب الله أكثر من ذلك ، وأما النص ، فحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما قال عبد أصابه همّ أو حزن : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه ، وأبدله مكان حزنه فرحاً " رواه أحمد ، وأبو عوانة في ( صحيحه ) وأبو يعلى والبزار . ثم أخذ اليمانيّ يذكر ما وجده من الأسماء منصوصاً ، غير معرِّج على التقليد . فانظره في ( إيثار الحق ) فإنه جوّد البحث بمنزع شريف . الثالث : قال بعض مفسري الزيدية في قوله تعالى : { فَٱدْعُوهُ بِهَا } : المعنى سموه بها ، وفي ذلك أمر بدعائه بالأسماء الحسنى ، وهو أمر ندب إذا حمل على التلاوة بالتسعة والتسعين ، وحث على ذلك في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ، وإن أريد التسمية بما فيه مدح ، دون ما فيه إلحاد ، فذلك وجوب . الرابع : قال السيد اليمانيّ في ( إيثار الحق ) : هل يجوز تسمية محامد الرب تعالى وأسمائه الحسنى صفات له سبحانه وتعالى ؟ قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النحل : 60 ] ، وذكر أهل التفسير واللغة أنه الوصف الأعلى ، وكذلك جاء في كلام عليّ عليه السلام أنه قال : فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته - ذكره السيد أبو طالب في ( الأمالي ) بإسناده ، والسيد الرضي في ( النهج ) كلاهما في جوابه عليه السلام ، على الذي قال له : صف لنا نار ربنا - وهذا لا يعارض قوله عز وجل : { سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنعام : 100 ] ، لأنه لم ينزه ذاته عن الوصف مطلقاً ، حتى يعم الوصف الحسن ، وإنما ينزه عن وصفهم له بالباطل القبيح . انتهى .