Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 21-25)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } أي : خالفوا أمري وردوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد ، { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أي : رؤساءهم المتبوعين ، أهل المال والجاه المعرضين عن الحق الذين غرتهم أموالهم وأولادهم ، فهلكوا بسببهما ، وخسروا سعادة الدارين . { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي : متناهياً كبره ، فإن ( الكبار ) أكبر من ( الكبير ) . { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } قال قتادة : كانت آلهة تعبدها قوم نوح ، ثم عبدتها العرب بعد ذلك . قال : فكان ( ود ) لكلب بدومة الجندل ، وكانت ( سواع ) لهذيل ، وكان ( يغوث ) لبني غطيف من مراد بالجرف ، وكان ( يعوق ) لهمدان ، وكان ( نسر ) لذي الكلاع من حمير . وقال ( في رواية ) : والله ما عدا - أي : كل منها - خشبة أو طينة أو حجراً . وقال ابن جرير : كان من خبرهم - فيما بلغنا - من محمد بن قيس قال : كانوا قوماً صالحين من بني آدم ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصورهم . فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم . وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ، بعد : أما ( ود ) ، فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما ( سواع ) فكانت لهذيل ، وأما ( يغوث ) فكانت لمراد ثم لبني غُطيف بالجرف عند سبأ ، وأما ( يعوق ) فكانت لهمدان ، وأما ( نسر ) فكانت لحمير لآل ذي الكَلاَع : أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا . فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ، وتَنسَّخَ العلم ، عبدت . تنبيهات الأول : قال الرازي : في انتقالها عن قوم نوح إلى العرب . إشكال ؛ لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان ، فكيف بقيت تلك الأصنام ، وكيف انتقلت إلى العرب . ولا يمكن أن يقال : إن نوحاً عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها ، لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها ، فكيف يمكن أن يقال : إنه وضعها في السفينة سعياً منه في حفظها ؟ انتهى كلامه . ونحن نقول : إن جوابه بديهي ، وهو أن انتقالها إلى العرب بواسطة نقل أحوال قوم نوح وأبنائهم وعوائدهم ، على ألسنة الرحّل والسمّار ؛ لأن سيرة القرن المتقدم في العصر المتأخر ، وسنة الخالف أن يؤرخ السالف . وجليّ أن النفس أميل إلى الجهل منها إلى العلم ، لاسيما إذا زين له المنكر بصفة تميل إليها ، فتكون ألصق به . وهكذا كان بعد انقراض العلم وحملته ، أن حدث ما حدث من عبادتها ، كما أشارت إليه رواية ابن عباس عند البخاري : حتى إذا هلك أولئك ، وتنسخ العلم ، عبدت . وعجيب من الرازي ألا يجد مخرجاً من سؤاله ، وهو على طرف الثُّمام . الثاني : قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : حكى الواقدي قال : كان ( ود ) على صورة رجل ، و ( سواع ) على صورة امرأة ، و ( يغوث ) على صورة الأسد ، و ( يعوق ) على صورة فرس ، و ( نسر ) على صورة طائر . وهذا شاذ ، والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر ، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها . انتهى . الثالث : قال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) : أول ما كاد به الشيطان عبَّاد الأصنام ، من جهة العكوف على القبور ، وتصاوير أهلها ؛ ليتذكروهم بها ، كما قص الله سبحانه قصصهم في كتابه فقال : { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ … } الآية . ثم قال : وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة ، تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم : فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم ، كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد والسرج ، ونهى عن الصلاة إلى القبور ، سأل ربه سبحانه ألا يجعل قبره وثناً يعبد ، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً ، وقال : " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وأمر بتسوية القبور ، وطمس التماثيل ، فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله ، إما جهلاً ، وإما عناداً لأهل التوحيد ، ولم يضرهم ذلك شيئاً … إلى آخر ما ذكره رحمه الله . وقوله تعالى : { وَقَدْ أَضَلُّواْ } أي : الرؤساء { كَثِيراً } أي : خلقاً كثيراً ، أو الأصنام كقوله تعالى : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] . { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } أي : خذلانا واستدراجا . وإنما دعا ذلك ليأسه من إيمانهم . قال أبو السعود : ووضع الظاهر موضع ضميرهم ، للتسجيل عليهم بالظلم المفرط ، وتعليل الدعاء عليهم به { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ } أي : من أجلها { أُغْرِقُواْ } أي : بالطوفان { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } أي : أذيقوا به عذاب النار { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } . قال الزمخشري : تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله ، وأنها غير قادرة على نصرهم ، وتهكم بهم ، كأنه قال : فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله ، كقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] . وقال الرازي : لما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات ، بطل القول بالوسائط .