Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 31-31)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ } أي : خزنتها { إِلاَّ مَلَٰئِكَةً } أي : وهم أقوى الخلق بأساً ، وأشدهم غضباً لله ، ليباينوا جنس المعذبين ، فلا يستروحون لهم . { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : من مشركي قريش . أي : إلا عدة من شأنها أن يفتتن بها الكافرون ، فيجعلوها موضع البحث والهزء . قال الجبائي : المراد من الفتنة تشديد التعبد ليستدلوا ويعرفوا أنه تعالى قادر على أن يقوي هؤلاء التسعة عشر على ما لا يقوى عليه مائة ألف ملك أقوياء . وقال الكعبي : المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الخالق سبحانه . قال : وهذا من المتشابه الذي أمروا بالإيمان به . { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ } أي : رسالة النبي صلوات الله عليه لإنبائه من وعيد الجاحدين المفسدين ما لديهم مصداقه . واللام متعلقة بـ { جَعَلْنَا } الثانية . فإن قيل : كيف يصح جعلهم في نفس الأمر على هذا العدد ، معللاً باستيقان أهل الكتاب ، وازدياد المؤمنين ، واستبعاد أهل الشك والنفاق ، وليس إيجادهم تسعة عشر سبباً لشيء من ذلك ، وإنما السبب لما ذكر ، هو الإخبار عن عددهم بأنه تسعة عشر ؟ والجواب : أن الجعل يطلق على معنيين : أحدهما : جعل الشيء متصفاً بصفة في نفس الأمر . وثانيها : الإخبار باتصافه بها ، ويقال له : الجعل بالقول . أي : وما جعلنا عدتهم بالإخبار عنها إلا عدداً يقتضي فتنتهم ، لاستيقان أهل الكتاب … إلخ . أي : وقلنا ذلك وأخبرنا به لاستيقان … إلخ . وعبر عن الإخبار بالجعل ، لمشاكلة قوله : { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ … } إلخ - هذا ما قرره شراح القاضي . { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً } أي : تصديقاً إلى تصديقهم بالله ورسوله . { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } أي : حتى يخوفنا بهؤلاء التسعة عشر . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض ، وهم المنافقون ، والسورة مكية ، ولم يكن بمكة نفاق ، وإنما نجم بالمدينة ؟ قلت : معناه وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة ، والكافرون بمكة ، ماذا أراد الله بهذا مثلاً . وليس في ذلك إلا إخبار بما سيكون ، كسائر الإخبارات بالغيوب . وذلك لا يخالف كون السورة مكية . ويجوز أن يراد بالمرض الشك والارتياب ، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب . انتهى . وقال الرازي : إن قيل : لم سموه مثلاً ؟ فالجواب : أنه لما كان هذا عدداً عجيباً ، ظن القوم أنه ربما لم يكن مراد الله منه ما أشعر به ظاهره ، بل جعله مثلاً لشيء آخر ، وتنبيهاً على مقصود آخر ، لا جرم سموه مثلاً . { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ } أي : إضلاله لصرفه اختياره إلى جانب الضلال : عند مشاهدته آيات الله الناطقة بالحق . { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } أي : هدايته لصرف اختياره عند مشاهدته لتلك الآيات إلى جانب الهدى { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } قال الزمخشري : أي : وما يعلم ما عليه كل جند من العدد الخاص ، من كون بعضها على عقد كامل ، وبعضها على عدد ناقص ، وما في اختصاص كل جند بعدده ، من الحكمة إلا هو . ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك ، كما لا يعرف الحكمة في أعداد السماوات والأرضين وأمثالها . أو وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو ، فلا يعز عليه الزيادة على عدد الخزنة المذكور ، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها . انتهى . ويجوز أن تكون الجملة تأييداً لكون ما تقدم مثلاً . أي : أن المؤمنين يستيقنون بأن عدتهم ضربت مثلاً للكثرة غير المعتاد سماعها للكافرين . ومن سنته تعالى ضرب الأمثال في تنزيله ، وإلا فلا يعلم جنوده التي يسلطها على تعذيب من يشاء إلا هو . وهذا معنى آخر لم أقف الآن على من نبه عليه ، ويؤيده قوله : { وَمَا هِيَ } أي : عدتهم المذكورة { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي : عظة يرهبون منها عذاب النار ، وهول أصحابها . وقيل الضمير لـ { سَقَرَ } [ المدثر : 26 ] . وقيل : للآيات . والأقرب عندي هو الأول لسلامته من دعوى كون ما قبله معترضاً ، إذا أعيد الضمير لغيره ، ولتأييده لما قبله بالمعنى الذي ذكرناه .