Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 16-19)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } أي : لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي ، لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك . { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } أي : في صدرك ، وإثبات حفظه في قلبك ، بحيث لا يذهب عليك منه شيء . { وَقُرْآنَهُ } أي : أن تقرأه بعد فلا تنسى { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي : أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام , { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي : كن مقفياً له ولا تراسله . { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي : بيان ما فيه ، إذا أشكل عليك شيء من معانيه ، أو أن نبيِّنه على لسانك . تنبيهات الأول : ما ذكرناه في تأويل الآية هو المأثور في الصحيحين وغيرهما . ولفظ البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه إذا أنزل عليه " فقيل له : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } يخشى أن يتفلت منه { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } أن نجمعه في صدرك { وَقُرْآنَهُ } أن تقرأه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } يقول أنزل عليه { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أن نبينه على لسانك . زاد في رواية : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، إذا أتاه جبريل استمع ، فإذا انطلق جبريل ، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه . قال ابن زيد : أي : لا تكلم بالذي أوحينا إليك ، حتى يقضى إليك وحيه ، فإذا قضينا إليك وحيه ، فتكلم به . يعني : أن هذه الآية نظير قوله تعالى : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] . قال ابن كثير : وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد ؛ أن هذه الآية نزلت في ذلك ، وأنها تعليم من الله عز وجل لرسوله ، كيفية تلقيه الوحي . الثاني : ذكروا في مناسبة وقوع الآية معترضة في أحوال القيامة - على تأويلهم المتقدم - وجوها : منها : تأكيد التوبيخ على ما جبل عليه الإنسان - والمرء مفتون بحب العاجل - حتى جعل مخلوقاً من عجل . ومن محبة العاجل ، وإيثاره على الآجل ، تقديم الدنيا الحاضرة على الآخرة ، الذي هو منشأ الكفر والعناد ، المؤدي إلى إنكار الحشر والمعاد فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه ، على آكد وجه . وهذه مناسبة تامة بين ما اعترض فيه وبينه . قاله الشهاب : ومنها : أن عادة القرآن ، إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد ، حيث يعرض يوم القيامة ، أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملاً وتركاً ، كما قال في الكهف : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] إلى أن قال : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } [ الكهف : 54 ] الآية . وقال في طه : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [ طه : 102 ] إلى أن قال : { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] . ومنها : أن أول السورة لما نزل إلى قوله : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } [ القيامة : 15 ] صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل ، وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته ، فنزلت { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } إلى قوله : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدأ به . قال الفخر الرازي : ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلاً مسألة ، فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال له : ألقي إلي بالك ، وتفهم ما أقول . ثم كمل المسالة فمن لا يعرف السبب يقول : ليس هذا الكلام مناسباً للمسألة ، بخلاف من عرف ذلك - قاله الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) . الثالث : استدلوا على التأويل السابق بقوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ، كما هو مذهب الجمهور لما تقتضيه { ثُمَّ } من التراخي . وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب ، وتبعوه . وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى ، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له ، وظهوره على لسان ، فلا ! قال الآمدي : يجوز أن يراد بالبيان : الإظهار ، لا بيان المجمل . يقال ( بأن الكوكب إذا ظهر ) قال : ويؤيد أن المراد : جميع القرآن ، والمجمل : إنما هو بعضه ، ولا اختصاص بالأمر المذكور دون بعض . قال أبو الحسين البصري : يجوز أن يراد البيان التفصيلي ، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي ، فلا يتم الاستدلال . وتعقب باحتمال إرادة المعنيين : الإظهار والتفضيل وغير ذلك ، لأن قوله : { بَيَانَهُ } جنس مضاف ، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه ، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك - قاله الحافظ في ( الفتح ) . وجوز القفال أن تكون { ثُمَّ } للترتيب في الإخبار . أي : ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه ، فلا تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب . وضعفه الرازي بأنه ترك للظاهر من غير دليل . الرابع : ما قدمناه من معنى قوله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } إلخ ، وما استفيد منه ، وما قيل في مناسبته لما قبله ، كله إذا جرى على المأثور فيها . وحاول القفال معنى فقال كما نقله عنه الرازي - : إن قوله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } ليس خطاباً مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] فكان ذلك حال ما ينبأ بقبائح أفعاله ، وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] . فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف ، وسرعة القراءة ، فيقال له : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } فإنه يجب علينا بحكم الوعد ، أو بحكم الحكمة ، أن نجمع أعمالك عليك ، وأن نقرأها عليك ، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه ، بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال . ثم إن علينا بيان أمره ، وشرح مراتب عقوبته . وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية : أن المراد منه ؛ أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله ، على سبيل التفصيل . وفيه أشد الوعيد في الدنيا ، وأشد التهويل في الآخرة . ثم قال القفال : فهذا وجه حسن ، ليس في العقل ما يدفعه ، وإن كانت الآثار غير واردة به . انتهى . ونقل الشهاب أن بعضهم ارتضى هذا الوجه ، وقدمه على الوجه السابق . وزعم الحافظ ابن حجر أن الحامل على هذا الوجه الأخير هو عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة . أي : ولما بين الأئمة المناسبة التي أثرناها عنهم ، لم يبق وجه للذهاب إلى هذا الوجه الأخير ، مع أن هذا الوجه - هو فيما يظهر - فيه غاية القوة والارتباط بما قبله وما بعده ، مما يؤثر على المأثور ، الذي قد يكون مدركه الاجتهاد ، والوقوف مع ظاهر ألفاظ الآية . ومما يؤيده ما أورد عليه أن ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال ، لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ البعث النبوي ، ولم يكن ابن عباس ولد حينئذ . ولا مانع - كما قال ابن حجر - أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعد ، فيراه ابن عباس ، أو يخبر به ، فيكون من مراسيل الصحابة - والله أعلم .