Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 31-40)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلاَ صَدَّقَ } أي : بالدين والكتاب . أو صدق ماله ، أي : ما زكاه { وَلاَ صَلَّىٰ } أي : الصلاة التي هي رأس العبادات ، التي سها عنها . { وَلَـٰكِن كَذَّبَ } أي : بدل التصديق { وَتَوَلَّىٰ } أي : بدل الصلاة التي بها كمال التوجه إلى الله تعالى { ثُمَّ } أي : مع هذه التقصيرات في جنب الله تعالى : { ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي : يتبختر في مشيته . وأصله ( يتمطط ) أي : يتمدد ؛ لأن المتبختر يمد خطاه . تنبيهات الأول : الضمير في الآيات للإنسان المتقدم في قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } . الثاني : قال الرازي : إنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه ، وفيما يتعلق بدنياه . أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين , ولكن كذب به . وأما ما يتعلق بفروع الدين فهو أنه ما صلى ، ولكنه تولى ، وأعرض . وأما ما يتعلق بدنياه ، فهو أنه ذهب على أهله يتمطى ويختال في مشيته . الثالث : دلت الآية على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة ، كما يستحقهما بترك الإيمان . الرابع : قال الرازي : قال أهل العربية : ( لا ) ههنا في موضع ( لم ) فقوله : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } أي : لم يصدق ولم يصل ، وهو كقوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [ البلد : 11 ] أي : لم يقتحم . وكذلك ما روي : أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا استهل . قال الكسائي : لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها ، حتى تتبعها بأخرى ، إما مصرحاً بها ، أو مقدراً . وأما المصرح ، فلا يقولون : لا عبد الله خارج ، حتى يقولوا ولا فلان ، ولا يقولون مررت برجل لا يحسن ، حتى يقولوا ولا يجمل . وأما المقدر فهو كقوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [ البلد : 11 ] ثم اعترض الكلام فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ } [ البلد : 12 - 14 ] وكان التقدير : لا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً ، فاكتفى به مرة واحدة . ومنهم من قال : التقدير في قوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ } [ البلد : 11 ] أي : أفلا اقتحم ، وهلا اقتحم . انتهى { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } أي : ويل لك مرة بعد مرة . دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه ولاء متكرراً متضاعفاً . وقيل : المعنى بُعْداً لك . فبعداً في أمر دنياك ، وبُعْداً لك فبعداً في أمر أخراك - حكاه الرازي عن القاضي - ثم قال : قال القفال : هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أنه وعيد مبتدأ من الله للكافر . والثاني : أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه - يعني أبا جهل - فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه ، فأنزل الله تعالى مثل ذلك . والثالث : أن يكون ذلك أمراً من الله لنبيه بأن يقولها لعدو الله فيكون المعنى : ثم ذهب إلى أهله يتمطى ، فقل له يا محمد : أولى لك فأولى ، أي : احذر , فقد قرب منك ما لا قبل لك به من المكروه . انتهى والأظهر هو الأول . لطيفة تفسير { أَوْلَىٰ لَكَ } بـ ( ويل لك ) قال الشهاب : هو محصل معناه المراد منه ، فإنه مثله ، فيرد للدعاء عليه ، أو للتهديد والوعيد . وعن الأصمعي : أنها تكون للتحسر على أمر فات . هذا هو المعنى المراد بها وأما الكلام في لفظها فقيل : هو فعل ماض دعائي من ( الولي ) واللام مزيدة . أي : أولاك الله ما تكرهه . أو غير مزيدة ، أي : أدنى الهلاك لك . وقريب منه قول الأصمعي : إن معناه قاربه ما يهلكه أن ينزل به . واستحسنه ثعلب . وقيل : إنه اسم وزنه ( أفعل ) من الويل ، فقلب . وقيل فَعْلَى ، ولذا لم ينون . ومعناه ما ذكر ، وألفه للإلحاق لا للتأنيث . وعلى الاسمية هو مبتدأ ، و ( لك ) الخبر . وقيل : إنه اسم فعل مبني ، ومعناه وَليَك شر بعد شر . ونقل الزمخشري عن أبي علي أنه عَلَمٌ لمعنى الويل ، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل . وقيل عليه : إن الويل غير متصرف ، ومثل ( يوم أيوم ) غير منقاس ، ولا يفرد عن الموصوف . وادعاء القلب من غير دليل ، لا يسمع ، وعلم الجنس خارج عن القياس . فما ذكر بعيد من وجوه عدة . وقيل : الأحسن أنه أفعل تفضيل خبر لمبتدأ يقدر كما يليق بمقامه . فالتقدير هنا : النار أولى لك . يعني : أنت أحق بها ، وأهل لها . انتهى . { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أي : هملاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يجازى ، مع أنه الإنسان الذي أودع العقل وعلَّم البيان ، وغرز في طبعه أن يعيش مجتمعاً ، وخص من الواهب ما فضل على غيره . فمن تمام الإحسان إليه إنقاذه من حيرته ، وإعلامه بسبيل هدايته ، وأن لا يترك خابطاً في متائه جهالته ، وقد كان ذلك بفضل الله ونعمته ، كما أشار لذلك بقوله : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } أي : يصبّ في الرحم . { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً } أي : دماً { فَخَلَقَ } أي : قدّر أعضاءه { فَسَوَّىٰ } أي : سوى تلك الأعضاء لأعمالها وعدّلها . { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ } أي : الصنفين { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } أي : لبقاء نوعه ، يعمر الدنيا إلى الأجل الذي كتبه وقدره . { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } أي : فيوجدهم بعد مماتهم لعمارة الآخرة . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : " سبحانك ، فبلى " - رواه أبو داود عن رجل من الصحابة . ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : من قرأ : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ القيامة : 1 ] فانتهى إلى { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } فليقل : بلى . ورواه الإمام أحمد والترمذي أيضاً - والله أعلم .