Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-5)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } يعني : الغزاة أو أيديهم . يقال للرامي : ( نزع في قوسه ) إذا مدها بالوتَر . و ( نزع في قوسه فأغرق ) و ( أغرق النازع في القوس ) إذا استوفى مدّها . ويضرب مثلاً للغلوّ والإفراط . و { غَرْقاً } بمعنى : إغراقاً كالسلام بمعنى التسليم ، وهو الإغراق بحذف الزوائد . أو { وَٱلنَّازِعَاتِ } الكواكب . من : ( نزع الفرس سنناً ) جرى طلقاً ، أي الجاريات على السير المقدر ، والحد المعين ، مجدّة في السير ، مسرعة للغاية . { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } أي : الخيل لأنها تخرج من دار إلى دار . من قولهم : ( ثور ناشط ) إذا خرج من بلد إلى بلد . أو هي السهام . يعني : خروجها عن أيدي الرماة ونفوذها . وكل شيء حللت ، فقد نشطته . ومنه ( نشاط الرجل ) وهو انبساطه وخفته . أو الكواكب تنشط من برج إلى برج . { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } أي : الخيل تسبح في عَدْوها فتسبق إلى العدّو . وهو مستعار من ( سبح في الماء ) لكنه ألحق بالحقيقة لشهرته . أو هي الكواكب تسبح في الفَلَك ؛ لأن مرورها في الجو كالسبح ، كما قال تعالى : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] . { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } أي : الخيل تسبق إلى العدو في حومة الوَغَى . أو الكواكب السيارة تسبق غيرها في السير ؛ لكونها أسرع حركة . { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } أي : الخيل . أسند إليها أمر تدبير الظفر مجازاً ، لأنها سببه . أو المدبرات مثل المعقبات . أي : أنه يأتي في أدبار هذا الفعل الذي هو نزع السهام وسبح الخيل وسبقها الأمر الذي هو النصر . أو هي الكواكب تدبر أمراً نيط بها . كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات ، مجازاً أيضاً ؛ لأنها سببه . أو هي الملائكة تدبر ما نيط بها من أمر الله تعالى . وقد جوز فيما قبلها أن تكون الملائكة أيضاً . واللفظ الكريم متسع لما ذكر من المعاني بلا تدافع . ولا إمكان للجزم بواحد ، إذ لا قاطع . ولذا قال ابن جرير : الصواب عندي أن يقال أنه تعالى أقسم بالنازعات غرقاً ، ولم يخصص نازعة دون نازعة . فكل نازعة غرقاً ، فداخلة في قَسَمِهِ ، مَلَكاً أو نجماً أو قوساً أو غير ذلك . وكذا عم القَسَم بجميع الناشطات من موضع إلى موضع . فكل ناشط فداخل فيما أقسم به ، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها ، بأن المعنى بالقَسَم من ذلك ، بعض دون بعض . وهكذا في البقية . وكلامه رحمه الله متجه للغاية . إذ فيه إبقاء اللفظ على شموله ، وهو أعم فائدة وعدم التكلف للتخصيص بلا قاطع . وإن كانت القرائن واستعمال موادها في مثلها وشواهدها ، مما قد يخصص الصيغ . إلا أن التنزيل الكريم يُتَوَقّى في التسرُّع فيه ما لا يُتَوَقى في غيره . لطائف قال أبو السعود : العطف مع اتحاد الكل ، بتنزيل التغاير العنوانيّ منزلة التغاير الذاتيّ . كما في قوله : @ إلى الملكِ القَرْمِ وابن الهُمَامِ ولَيْثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ @@ للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدودة من معظمات الأمور ، حقيق بأن يكون على حياله ، مُناطاً لاستحقاق موصوفه للإجلال والإعظام ، بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه . والفاء في الأخيرين للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهلة . و { غَرْقاً } مصدر مؤكد بحذف الزوائد . وانتصاب { نَشْطاً } و { سَبْحاً } و { سَبْقاً } أيضاً على المصدرية . وأما { أَمْراً } فمفعول للمدبرات . وتنكيره للتهويل والتفخيم . والمقسَم عليه محذوف ، تعويلاً على إشارة ما قبله من المقسم به إليه ، ودلالة ما بعده من أحوال القيامة عليه ، وهو ( لنبعثن ) وبه تعلق قوله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ … } .