Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . روى البخاري عن ابن عباس أن سورة الأنفال نزلت في بدر . وروى الإمام أحمد عن عُبَادَة بن الصامت قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهدت معه بدراً ، فالتقى الناس ، فهزم الله تعالى العدوّ ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه . وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدوُّ منه غرة ، حتى إذا كان الليل ، وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها ، فليس لأحد فيها نصيب . وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ : لستم بأحق به منا ، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم . وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : لستم بأحق بها منا ، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة ، واشتغلنا به ، فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ ؟ … } الآية - فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فُواقٍ من المسلمين . وهذا الحديث رواه الترمذيّ أيضاً وحسنه ، ورواه ابن حيان في صحيحه ، وصححه الحاكم . ولفظ ابن إسحاق عن عبادة قال : فينا ، أصحاب بدر ، نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء . وروى أبو داود والنسائيّ وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا وكذا فله من النّفل كذا وكذا " فتسارع في ذلك شبّان القوم ، وبقي الشيوخ تحت الرايات . فلما كانت المغانم ، جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا ، فإنا كنا رِدْءاً لكم ، لو انكشفتم لثُبتُم إلينا . فتنازعوا ، فأنزل الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ … } الآية - وهذا مما يفيد أن التشاجر كان متنوعاً ، وأن الآية نزلت لفصله . والأنفال : هي المغانم ، جمع ( نَفَل ) محركة ، وهو الغنيمة . أي كل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب . قال ابن تيمية : سميت بذلك ، لأنها زيادة في أموال المسلمين . أي : لأن النفل يطلق على الزيادة ، كما في ( التاج ) ، ومنه النافلة لصلاة التطوع لزيادتها على الفريضة . وقوله تعالى : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } قال المهايميّ : أي : ليست هي في مقابلة الجهاد ، وإنما مقابله الآجر الأخرويّ ، وهذه زائدة عليه ، خرجت عن ملك المشركين فصارت ملكاً خالصاً لله ولرسوله . والرسول خليفة يعطيها ، على ما أراه الله ، من يشاء ، ولما أطلق له صلى الله عليه وسلم الحكم فيها . فقسمها بينهم بالسوية ، ووهب من استوهبه . فروى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم بدر قُتل أخي عمير وقتلتُ سعيد بن العاص ، وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكتَيفة ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اذهب فاطرحه في القَبَض " قال : فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله ، من قتل أخي ، وأخذ سلبي . قال : فما جاوزت إلا يسيراً حتى نزلت سورة الأنفال . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فخذ سَلبك " وروى الإمام أحمد والترمذيّ - وصححه - عن سعد بن مالك قال : قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين ، فهب لي هذا السيف ، فقال : " إن هذا السيف لا لك ولا لي ، ضعه " قال : فوضعته ثم رجعت ، فقلت : عسى أن يعطي هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي . قال : إذا رجل يدعوني من ورائي . قال : قلت : قد أنزل الله فيّ شيئاً . قال : " كنت سألتني السيف ، وليس هو لي ، إنه قد وهب لي ، فهو لك " قال : وأنزل الله هذه الآية : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ … } الآية . تنبيهات الأول : ذهب بعضهم إلى أن أنفال بدر قسمت من غير تخميس ، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس ، فنسخت الأولى . قال ابن كثير : فيه نظر . ويرد عليه حديث عليّ بن أبي طالب في شَارِفَيْهِ اللذْين حصلا له ، من الخمس ، يوم بدر . فالصواب أنها مجملة محكمة ، بيْن مصارفها في آية الخمس . الثاني : روي عن عطاء أنه فسر ( الأنفال ) بما شذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو أَمَةٍ أو متاع . قال : فهو نفلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء . قال ابن كثير : وهذا يقتضي أنه فسر ( الأنفال ) بالفيء ، وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال . قلت : صِدقُ ( النفل ) عليه ، لا شك فيه . وأما كونه المراد من الآية بخصوصه ، فلا يساعده سبب نزولها المارّ ذكره ، لا سيما قوله : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } المشير إلى التنازع المتقدم . ثم قال ابن كثير : واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم ، أي ما يدفع إلى الغازي زائداً على سهمه من المغنم . والكلام الذي قلته قبل ، يجري هنا أيضاً . ونقل الرازيّ عن القاضي ؛ أن كل هذا الوجوه تحتمله الآية . قال : وليس فيها دليل على ترجيح بعضها على بعض ، وإن صح في الأخبار ما يدل على التعين ، قضى به ، وإلا فالكل محتمل . وكما أن كل واحد منها جائز ، فكذلك إرادة الجميع جائزة ، فإنه لا تناقض بينها . أي : لصدق ( النَّفل ) عليها . الثالث : وقع عند الزمخشريّ : أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر ، لمن الحكم فيها ، أللمهاجرين أم للأنصار ، أم لهم جميعاً ؟ فأجيبوا بأن الحاكم فيها الرسول ، وليس لأحد فيها حكم . تأثر الزمخشريَّ بأبي السعود ، في سوقه لما ذكر ، وزاد عليه اعتماده له ، بتطويل مملّ . ولا أدري من أين سرت لهم هذا الرواية . فإن رواة الآثار لم يخرجوها في صحاحهم ولا سننهم ، بل ولا أصحاب السير ، كابن إسحاق وابن هشام ، وهل يمكن للمسلمين أن يختلفوا للحكم على الغنائم ، ويتنازعوا ولايتها ، والرسول بين أظهرهم ؟ ومتى عهد ذلك من سيرتهم ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ! ولكن هو الرأي ( قاتله الله ! ) ونبذ كتب السنة ، والتقليد البحت ، الذي لا يهتم صاحبه بحقائق الأشياء ، ولا يريد معرفتها ولا فحصها بالعقل . يضع قدمه على القدم ، حيث يكون مطواعاً لآراء غيره ، منقاداً لها مصدقاً ما ينطق به فمه ، غثاً كان أو سميناً . اللهم نوّر بصيرتنا بفضلك . وقوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : في الإختلاف والتخاصم ، وكونوا متحدين متآخين في الله . وقوله تعالى : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي : أحوال بينكم ، يعني ما بينكم من الأحوال ، حق تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق . وقوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : في قسمه بينكم ، على ما أراه الله تعالى . وقوله تعالى : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } متعلق بالأوامر الثلاثة . قال الزمخشريّ : جعل التقوى ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله ورسوله ، من لوازم الإيمان وموجباته ، ليعلمهم أن كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها . فمعنى قوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، أي : كاملي الإيمان . ثم بيّن تعالى من أريد بـ ( المؤمنين ) بذكر أوصافهم الجليلة ، المستتبعة لما ذكر من الخصال الثلاث ، ترغيباً لهم في الإمتثال بالأوامر المذكورة ، فقال سبحانه : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ … } .