Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-24)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } الإستجابة : بمعنى الإجابة . قال : @ وداعٍ دعا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النِّدَا فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ @@ ( يريد : فلم يجبه . وقائله كعب بن سعد الغَنَوِيّ ، والقصيدة في الأصمعيات رقم 14 ) . والمراد بها الطاعة والإمتثال ، وإنما وحّد الضمير في قوله : { دَعَاكُم } - أي : الرسول - لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله تعالى . وقال الزمخشري : لأن استجابته صلى الله عليه وسلم ، كاستجابته تعالى ، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد . وقوله : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ، قال عروة بن الزبير - فيما رواه ابن إسحاق - أي : للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل ، وقوّاكم بها بعد الضعف ، ومنعكم من عدوّكم بعد القهر منهم لكم . وإنما سمي الجهاد حياة ؛ لأن في وهن عدوّهم بسببه حياة لهم وقوة ، أو لأنه سبب الشهادة الموجبة للحياة الدائمة ، أو سبب المثوبة الأخروية التي هي معدن الحياة ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } [ العنكبوت : 64 ] أي : الحياة الدائمة ، فيكون مجازاً مرسلاً ، بإطلاق السبب على المسبب ، أو استعارة . وقيل : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي : من العلوم الدينية التي هي مناط حياة القلب ، كما أن الجهل موته . قال الشهاب : وإطلاق الحياة على العلم ، والموت على الجهل ، استعارة معروفة ، ذكرها الأدباء ، وأهل المعاني . وأنشد الزمخشريّ لبعضهم : @ لا تعجبنّ الجهولَ حُلَّتهُ فَذاك مَيْتٌ ، وثَوبهُ كَفَنُ @@ وقد ألمّ فيه بقول أبي الطيب ، من قصيدته التي أولها : @ أفاضلُ الناسِ أغراضٌ لذا الزمنِ يخلوا من الهمِّ أخلاهُمْ من الفِطَنِ @@ ومنها : @ لا تُعْجِبَنَّ مضِيما حسنُ بَزَّتِه وهل تروقُ دَفِيناً جَوْدَةُ الكَفَنِ @@ والأظهر أن يُعْنَى بـ { مَا يُحْيِيكُمْ } ، ما يصلحكم من أعمال البر والطاعة . فيدخل فيه ما تقدم وغيره . تنبيه استدل النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على وجوب إجابته إذا نادى أحداً وهو في الصلاة . روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه قال : كنت أصلي ، فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاني ، فلم آته حتى صليت ، ثم أتيته فقال : " ما منعك أن تأتيني ؟ ألم يقل الله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ … } الآية " . وقوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } يحتمل وجوهاً من المعاني : أحدها : أنه تعالى يملك على المرء قلبه ، فيصرفه كيف شاء ، فيحول بينه وبين الكفر ، إن أراد هدايته ، وبينه وبين الإيمان ، إن أراد ضلالته ، وهذا المعنى رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس ، وصححه ، وقاله غير واحد من السلف . ويؤيده ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول : " " يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " . فقيل : يا رسول الله ! آمنا بك ، وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : " نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى ، يقلبها " - رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن أنس - ولفظ مسلم : " إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلب واحد ، يصرفها كيف شاء " ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم مصرف القلوب ، صرف قلوبنا إلى طاعتك " - انفرد مسلم عن البخاريّ بإخراجه عن عبد الله بن عَمْرو . وفي روايةٍ : " إن قلب الآدمي بين إصبعين من أصابع الله ، فإذا شاء أزاغه ، وإذا شاء أقامه " - رواه الإمام أحمد عن عائشة . وروي أيضاً مثله عن جابر وبلال والنوّاس بن سمعان وأم سلمة ، كما ساقه ابن كثير . وعلى هذا المعنى ، فالآية استعارة تمثيلية ، لتمكنه من قلوب العباد ، فيصرفها كيف يشاء ، بما لا يقدر عليه صاحبها . شبه بمن حال بين شخص ومتاعه ، فإنه يقدر على التصرف فيه دونه . ثانيها : أنه حث على المبادرة إلى الطاعة ، قبل حلول المنيّة ، فمعنى ( يحول بينه وبين قلبه ) يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها ، وهو التمكن من إخلاص القلب ، ومعالجة أدوائه وعلله ، ورده سليماً ، كما يريده الله ، فاغتنموا هذه الفرصة ، وأخلصوها لطاعة الله ورسوله . فشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه ، الذي به يعقل ، في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه . ثالثها : أنه مجاز عن غاية القرب من العبد ؛ لأن من فصل بن شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر ، لاتصاله بهما ، وانفصال أحدهما عن الآخر . و { يَحُولُ } إما استعارة تبعية معناه يقرب ، أو استعارة تمثيلية . وهذا المعنى نقل عن قتادة حيث قال : الآية كقوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] وفيه تنبيه على أنه تعالى مطلع ، من مكنونات القلوب ، على ما عسى أن يغفل عنه صاحبها . { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : فيجزيكم بأعمالكم .