Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 66-66)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } . في الآية مسائل الأولى : مشروعية الحضّ على القتال ، والمبالغة في الحث عليه ، " وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه عند صفهم ، ومواجهة العدوّ ، كما قال لهم يوم بدر ، حين أقبل المشركون في عَدَدهم وعُدَدهم : " قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض " ، فقال عمير بن الحمام : عرضها السماوات والأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ! " فقال : بخٍ بخٍ ، فقال : " ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ " قال : رجاء أن أكون من أهلها . قال : " فإنك من أهلها " . فتقدم الرجل ، فكسر جفن سيفه ، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ، ثم ألقى بقيتهن من يده ، وقال : لئن أنا حييت حتى آكلهن ، إنها لحياة طويلة ؛ ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه " . الثانية : ذهب الأكثرون إلى أن قوله تعالى : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً } [ الأنفال : 65 ] شرط في معنى الأمر بوجوب مصابرة الواحد للعشرة أي : بأن لا يفرّ منهم . روى البخاري عن ابن عباس قال : لما نزلت : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } [ الأنفال : 65 ] كتب عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ولا عشرون من مائتين ، ثم نزلت : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ … } الآية - فكتب أن لا يفر مائة من مائتين . وفي رواية أخرى عنه قال : لما نزلت { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } [ الأنفال : 65 ] شق ذلك على المسلمين ، فنزلت { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ … } الآية - فلما خفف الله عنهم من العدة ، نقص عنهم من الصبر ، بقدر ما خفف عنهم . قال في ( اللباب ) : فظاهر هذا أن قوله تعالى : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } ناسخ لما تقدم في الآية الأولى ، وكان هذا الأمر يوم بدر ، فرض الله سبحانه وتعالى على الرجل للواحد من المسلمين قتال عشرة من الكافرين ، فثقل ذلك على المؤمنين ، فنزلت : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } - أيها المؤمنون - { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } يعني في قتال الواحد للعشرة ، فإن تكن منكم مائة صابرة محتسبة يغلبوا مائتين ، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله . فردّ العشرة إلى الإثنين ، فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفروا ، فأيما رجل فرّ من ثلاثة فلم يفر ، ومن فرَّ من اثنين فقد فرّ . انتهى . قال في ( العناية ) : وذهب مكيّ إلى أنها مخففة لا ناسخة ، كتخفيف الفطر للمسافر . وثمرة الخلاف أنه لو قاتل واحد عشرة ، فقتل ، هل يأثم أو لا ؟ فعلى الأول يأثم ، وعلى الثاني لا يأثم . وقال الرازيّ : أنكر أبو مسلم الأصفهانيّ دعوى النسخ في الآية ، وقال : الأمر الذي فهم من الآية مشروط بكون العشرين قادرين على الصبر ، أي : إن حصل منكم عشرون موصوفون بالصبر على مقاومة المائتين ، فليشتغلوا بمقاومتهم . ثم دل قوله تعالى : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } على أن ذلك الشرط غير حاصل منهم ، فلم يكن التكليف لازماً عليهم . وبالجملة ، فالآية الأولى دلت على ثبوت حكم عند شرط مخصوص ، والثانية دلت على أن ذلك الشرط مفقود في حق هؤلاء الجماعة ، فلم يثبت ذلك الحكم ، وعلى هذا فلا نسخ ، ولا يقال إن قوله تعالى : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } مشعر بأن هذا التكليف كان متوجهاً عليهم قبله ، لأن لفظ التخفيف لا يستلزم الدلالة على حصول التثقيل قبله ؛ لأن عادة العرب الرخصة بمثل هذا الكلام ، كقوله تعالى في ترخيصه للحرّ في نكاح الأمَة : { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } [ النساء : 28 ] وليس هناك نسخ ، وإنما هو إطلاق نكاح الأمة لمن لا يستطيع نكاح الحرائر ، فكذا هاهنا . ومما يدل على عدم النسخ ذكر هذه الآية مقارنة للأولى . وجعلُ الناسخ مقارناً للمنسوخ ، لا يجوز إلا بدليل قاهر . قال الرازيّ : بعد تقرير كلام أبي مسلم : إن ثبت إجماع الأمة ، قبل أبي مسلم ، على حصول النسخ في الآية ، فلا كلام عليه . وإلا فقول أبي مسلم صحيح حسن . انتهى . الثالثة : في قوله تعالى : { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ الأنفال : 65 ] إشارة إلى علة غلبة المؤمنين عشرة أمثالهم من الكفار ، فالظرف متعلق بـ { يَغْلِبُواْ } أي : بسبب أنهم قوم جهلة بالله تعالى واليوم الآخر ، لا يقاتلون احتساباً وامتثالاً لأمر الله تعالى ، وإعلاءً لكلمته ، وابتغاءً لرضوانه ، كما يفعله المؤمنون ، وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية ، واتباع خطوات الشيطان ، وإثارة نائرة البغي والعدوان ، فلا يستحقون إلا القهر والخذلان . أفاده أبو السعود . الرابعة : قال الرازيّ : احتج هشام على قوله : ( إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات إلا عند وقوعها ) ، بقوله : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } ، إذ يقتضي أن علمه بضعفهم ما حصل إلا في هذا الوقت . وأجاب المتكلمون بأن معناه : الآن حصل العلم بوقوعه وحصوله ، وأما قبل ذلك فقد كان الحاصل العمل بأنه سيقع أو سيحدث . انتهى . وقال الطيبيّ رحمه الله : معناه الآن خفف الله عنكم لما ظهر متعلق علمه تعالى ، أي : كثرتكم الموجبة لضعفكم بعد ظهور قلتكم وقوتكم . الخامسة : في ( الضعف ) لغتان : الفتح والضم ، بهما قرئ . وهو يؤكد كونهما بمعنى فيكونان في الرأي والبدن . وقيل : ( الفتح ) في الرأي والعقل ، و ( الضم ) في البدن . وهو منقول عن الخليل وقرئ ( ضعفاء ) بصيغة الجمع . السادسة : إن قيل : إن كفاية عشرين لمائتين تغني عن كفاية مائة لألف . وكفاية مائة لمائتين تغني عن كفاية ألف لألفين ، لما تقرر من وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأولى ، وثبات الواحد للإثنين في الثانية ، فما سر هذا التكرير ؟ أجيب : بأن سره كون كل عدة بتأييد القليل على الكثير ، لزيادة التقرير المفيد لزيادة الإطمئنان ، والدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة ، لا تتفاوت ، فإن العشرين قد لا تغلب المائتين ، وتغلب المائة الألف . وأما الترتيب في المكرر فعلى ذكر الأقل ثم الأكثر على الترتيب الطبيعي . قال في ( الفتح ) : وقد قيل في سر ذلك : إنه بشارة للمسلمين بأن جنود الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات من الألوف . السابعة : قال في ( البحر ) : انظر إلى فصاحة هذا الكلام ، حيث أثبت في الشرطية الأولى قيد الصبر ، وحذف نظيره من الثانية ، وأثبت في الثانية قيد كونهم من الكفرة وحذفه من الأولى ، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في جملتي التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه ، ثم ختمت بقوله : { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } مبالغة في شدة المطلوبية ، ولم يأت في جملتي التخفيف بقيد الكفر ، اكتفاءً بما قبله . قال الشهاب : هذا نوع من البديع يسمى الإحتباك ، وبقي عليه أنه ذكر في التخفيف { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وهو قيد لهما ، وقوله : { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } إشارة إلى تأييدهم ، وأنهم منصورون حتماً لأن من كان الله معه لا يغلب . وبقي فيها لطائف ، فللّه درّ التنزيل ما أحلى ماء فصاحته ! وأنضر رونق بلاغته !