Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 71-71)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن يُرِيدُواْ } أي : الأسرى { خِيَانَتَكَ } أي : نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة ، أو منع ما ضمنوا من الفداء { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } أي : من قبل ( بدر ) بالكفر به { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي : فأمكنك منهم ، أي : أظفرك بهم قتلاً وأسراً ، كما رأيتم يوم بدر ، فسيُمكن منهم إن عادوا إلى الخيانة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : عليم بما في بواطنهم من إيمان وتصديق ، أو خيانة ونقض عهد ، حكيم يجازي كلاً بعمله ، الخير بالثواب ، والشر بالعقاب . روى ابن هشام في ( السيرة ) أن فداء المشركين يوم بدر كان أربعة آلاف درهم بالرجل إلى ألف درهم ، إلا من لا شيء له ، فمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه . وقال ابن إسحاق : كان أكثر الأسارى يوم بدر فداءً العباس ، وذلك أنه كان رجلاً موسراً ، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهباً . وفي صحيح البخاريّ عن أنس " أن رجالاً من الأنصار قالوا : يا رسول الله ، ائذن لنا ، فلنترك لابن أختنا عباس فداءه . قال : " لا والله ! لا تذرون منه درهماً " . وروى إسحاق أن العباس قال : " يا رسول الله ، قد كنت مسلماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول ، فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل وحليفك عتبة " . قال : ما ذاك عندي يا رسول الله ، قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، فقلت لها : إن أُصِبْتُ في سفري هذا ، فهذا المال الذي دفنته لبنيّ : الفضل وعبد الله وقثم ؟ " قال : والله ! يا رسول الله ، إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي ، يا رسول الله ، ما أصبتم من عشرين أوقية من مال كان معي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " " . ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، فأنزل الله عز وجل فيه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ … } الآية [ الأنفال : 70 ] . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام ، عشرين عبداً كلهم في يده مال ، يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل . وروى ابن إسحاق أيضاً أن العباس كان يقول : فيّ نزلت ، والله ! حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي . وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ؛ أن عباساً وأصحابه قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ، ونشهد أنك رسول الله ، لننصحنّ لك على قومنا ، فأنزل الله تعالى : { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ … } الآية [ الأنفال : 70 ] . قال : فكان العباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا ، وأن لي الدنيا ، لقد قال : { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } [ الأنفال : 70 ] فقد أعطاني خيراً مما أخذ منى مائة ضعف . وقال : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [ الأنفال : 70 ] وأرجو أن يكون قد غفر لي . وروى البيهقيّ عن أنس قال : " أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين ، فقال : " انثروه في مسجدي " . قال ، وكان أكثرَ ما أُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى الصلاة ، ولم يلتفت إليهم ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه ، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه ، إذ جاءه العباس فقال : يا رسول الله ، أعطني ، فاديت نفسي ، وفاديت عقيلاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ " فحثا في ثوبه ، ثم ذهب يقلّه ، فلم يستطع . فقال : مرّ بعضهم يرفعه إليّ ، قال : " لا " ، قال : فارفعه أنت عليّ ، قال : " لا " ! فنثر منه ، ثم احتمله على كاهله ، ثم انطلق ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه ببصره حتى خفي عنه ، عجباً من حرصه " . فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثمَّ منها درهم . وفي رواية : وما بعث إلى أهله بدرهم . ورواه البخاريّ تعليقاً . وفي رواية : فجعل العباس يقول وهو منطلق : أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا ، وما ندري ما يصنع في الأخرى . ثم ذكر تعالى أصناف المؤمنين ، وقسمهم إلى مهاجرين وأنصار فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } .