Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 72-72)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } أي : من مكة إلى المدينة لنصر الله ورسوله { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : في طاعته { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } أي : وطنوا المهاجرين وأنزلوهم منازلهم وبذلوا إليهم أموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، ونصروهم على أعدائهم { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي : يتولّى بعضهم بعضاً في النصرة والمظاهرة ، ويقوم مقام أهله ونفسه ، ويكون أحق به من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار . قال ابن إسحاق : وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال فيما بلغنا : " " تآخوا أخوين أخوين " ، ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال : " هذا أخي " " وكان حمزة بن عبد المطلب أسد الله ، وأسد رسوله وعمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وزيد بن حارثة مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم أخوين . وإليه أوصى حمزة يوم ( أُحدُ ) حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت . وجعفر ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل أخوين ، وأبو بكر الصديق وخارجة بن زيد أخوين ، وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين . وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخوين . وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين . والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة أخوين ، أو عبد الله بن مسعود . وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخوين . وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخوين . وسعيد بن زيد وأبيّ بن كعب أخوين . ومصعب بن عمير وأبو أيوب الأنصاريّ أخوين . وأبو حذيفة وعباد بن بشر أخوين . وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أخوين . وأبو ذرّ الغفاري والمنذر بن عَمْرو أخوين . وسلمان الفارسيّ وأبو الدرداء أخوين . وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين . وبلال الحبشيّ وأبو رويحة الخثعميّ أخوين . ولما خرج بلال إلى الشام ، وأقام فيها مجاهداً ، قال له عمر : إلى من نجعل ديوانك ؟ قال : مع أبي رويحة ، لا أفارقه أبداً ، للأخوّة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني . فضُمَّ إليه ، وضم ديوان الحبشة إلى خثعم ، لمكان بلال منهم . قال ابن إسحاق : فهؤلاء من سمى لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه . تنبيه نقل الواحديّ عن ابن عباس وغيره ، أن المراد من هذه الولاية ، هي الولاية في الميراث . قال ابن كثير : لما تآخوا كانوا يتوارثون بذلك إرثاً مقدماً على القرابة ، حتى نسخ الله ذلك بالمواريث ، ثبت ذلك في صحيح البخاريّ عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد . قال الخفاجي : فكان المهاجريّ يرثه أخوه الأنصاريّ ، إذا لم يكن له بالمدينة وليّ مهاجريّ ، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجريّ . واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ، ثم توارثوا بالنسب بعدُ ، إذ لم تكن هجرة . و ( الوليّ ) القريب والناصر ؛ لأن أصله القرب المكانيّ ، ثم جعل للمعنويّ ، كالنسب والدين والنصرة . فقد جعل صلى الله عليه وسلم ، في أول الإسلام ، التناصر الدينيّ أخوّة ، وأثبت لها أحكام الأخوّة الحقيقية من التوارث ، فلا وجه لما قيل : إن هذا التفسير لا تساعده اللغة ، فالولاية على هذا ، والوراثة المسببة عن القرابة الحكمية . انتهى . ومراده بـ ( ما قيل ) ما ذكره الرازيّ في تضعيف تفسير الولاية بالوراثة ، حيث قال : واعلم أن لفظ الولاية غير مشعر بهذا المعنى ؛ لأن هذا اللفظ مشعر بالقرب على ما قررناه في مواضع من هذا الكتاب . ويقال : السلطان ولي من لا وليّ له ، ولا يفيد الإرث ، وقال تعالى : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] ولا يفيد الإرث ، بل الولاية تفيد القرب ، فيمكن حمله على غير الإرث ، وهو كون بعضهم معظماً للبعض ، مهتماً بشأنه ، مخصوصاً بمعاونته ومناصرته ، والمقصود أن يكونوا يداً واحدة على الأعداء ، وأن يكون حب كل واحد لغيره جارياً مجرى حبه لنفسه . وإذا كان اللفظ محتملاً لهذا المعنى ، كان حمله على الإرث بعيداً عن دلاله اللفظ ، لا سيما وهم يقولون : إن ذلك الحكم صار منسوخاً بقوله تعالى في آخر الآية : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] وأيّ حاجة تحملنا على حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به ، ثم الحكم بأنه صار منسوخاً بآية أخرى مذكورة معه ؟ هذا في غاية البعد ، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على أن المراد ذلك ، فحينئذ يجب المصير إليه ، إلا أن دعوى الإجماع بعيد . انتهى . وأقول : لعموم هذا الخطاب ونظمه وجه في إثبات التوارث ، لا سيما وقد نفى تعالى ولاية من لم يهاجر نفياً استغرق أقرب الأقارب حيث قال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } أي : بأن أقاموا في بواديهم { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } أي : إلى المدينة . وقول تعالى : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } أي : إذا استنصركم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال دينيّ ، فيجب عليكم أن تنصروهم على أعدائهم المشركين ؛ لأنهم إخوانكم في الدين { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } أي : عهد ومهادنة إلى مدة ، فلا تعينوهم عليهم ، لئلا تخفروا ذمتكم ، وتنقضوا عهدكم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : فلا تخالفوا أمره . تنبيهات الأول : احتج من ذهب إلى أن المراد من قوله تعالى : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } أي : من توليتهم في الميراث ، وأنه هو المراد في الآية السابقة أيضاً ، بقوله تعالى : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } فإن هذا موالاة في الدين ، فحينئذ لا يجوز حمل الموالاة المنفية على النصرة والمظاهرة ، لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين . وأجاب الرازيّ بما معناه : إن الولاية هنا ليس المراد بها مطلق التولي حتى يرد ما ذكروه ، بل عنى بها معنى خاص ، وهو علاقة شديدة ، ومحبة أكيدة ، وإيثار قويّ ، وأخوة وثيقة ، ولا يلزم من النصر التولي ، فقد ينصر المرء ذمياً لأمرٍ ما ولا يتولاه ، ويدافع عن عبده أو أمته ويعينهما ولا يتولاهما - والله أعلم . الثاني : يظهر أن هذه الآية كسوابقها مما نزل إثر واقعة بدر ، وطلب من كل من آمن من البادين أن يهاجر ، ليكثر سواد المسلمين ، ويظهر اجتماعهم ، وإعانة بعضهم لبعض ، فتتقوى بأُلفتهم شوكتهم ، ولم يزُل طلب الهجرة إلا بفتح مكة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد فتح مكة " رواه البخاريّ عن مجاشع بن مسعود . الثالث : شمل نفي الموالاة عن الذين لم يهاجروا وقتئذ ، حرمانهم من المغانم والفيء . روى الإمام أحمد عن بريدة بن الحُصَيْب الأسلميّ رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرّية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً . وقال : " اغزوا بسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، إذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتها ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكفّ عنهم ، ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكفّ عنهم ، ثم ادعهم من التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأعلمهم إن فعلوا ذلك ، أن لهم ما للمهاجرين ، وأن عليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا دارهم ، فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوا فاقبل منهم ، وكفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم " . قال ابن كثير : انفرد به مسلم ، وعنده زيادات أخر . الرابع : قرأ حمزة ( ولايتهم ) بكسر الواو ، والباقون بفتحها . قال الشهاب : جاء في اللغة : ( الولاية ) مصدراً بالفتح والكسر ، فقيل : هما لغتان فيه بمعنى واحد ، وهو القرب الحسيّ والمعنويّ ، وقيل : بينهما فرق ، فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه ، والكسر ولاية السلطان ، قاله أبو عبيدة . وقيل : الفتح من النصرة والنسب . والكسر من الإمارة . قاله الزجاج . وخطأ الأصمعيُّ قراءة الكسر ، وهو المخطئ لتواترها . واختلفوا في ترجيح إحدى القراءتين . ولما قال المحققون من أهل اللغة : إن ( فعالة ) بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ، ويجعل فيه كاللفافة والعمامة . وفي المصادر يكون في الصناعات وما يزاول بالأعمال ، كالكتابة والخياطة - ذهب الزجاج وتبعه غيره إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعة ، فلذا جاء فيها الكسر ، كالإمارة . وهذا يحتمل أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك ، فتكون حقيقة ويحتمل - كما في بعض شروح الكشاف - أن تكون استعارة ، كما سموا الطب صناعة . انتهى .