Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 22-25)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أي : ليس ممن يتكلم عن جِنَّةِ ويهذي هذيان المجانين . { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 37 ] وهذا نفي لما كان يبهته به أعداؤه صلى الله عليه وسلم حسداً ولؤماً . قال الشهاب : وفي قوله : { صَاحِبُكُمْ } تكذيب لهم بألطف وجه . إذ هو إيماء إلى أنه نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن ، فأنتم أعرف به وبأنه أتم الخلق عقلاً وأرجحهم نبلاً وأكملهم وأصفاهم ذهناً . فلا يسند له الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون . ولله در البحتري في قوله : @ إذا مَحَاسِنَي الَّلاتي أَدِلُّ بها كانت ذُنوبي ، فقل لي كَيْفَ أَعْتَذرْ @@ { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي : ولقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل بالأفق الأعلى ، المظهر لما يرى فيه . قال ابن كثير : والظاهر ، والله أعلم ، أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء ؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية وهي الأولى . وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النجم 13 - 15 ] فتلك إنما ذكرت في سورة النجم ، وقد نزلت بعد سورة الإسراء . والقصد من بيان رؤيته لجبريل عليهما السلام متمثلاً له : هو التحقيق الموحي به ، وأن أمره مبني على مشاهدة وعيان لا على ظن وحسبان . وما سبيله كذلك فلا مدخل للريب فيه { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : ببخيل . قال مجاهد : ما يضن عليكم بما يعلم . أي : لا يبخل بالتعليم والتبليغ . وقال الفراء : يأتيه غيب السماء ، وهو شيء نفيس ، فلا يبخل به عليكم . وقال أبو عليّ الفارسيّ : المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه ، كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلواناً . وقرئ ( بظنين ) بالظاء : أي : ما هو بمتهم على ما يخبر به من الغيب . قال القاشاني : لامتناع استيلاء شيطان الوهم وجنّ التخيل عليه ، فيخلط كلامه ويمتزج المعنى القدسيّ بالوهميّ والخياليّ ؛ لأن عقله صفيّ عن شوب الوهم . والمعنى أنه صادق فيما يخبر به من الوحي واليوم الآخر والجزاء ، ليس من شأنه أن يتهم فيه . كما قال هرقل لأبي سفيان : وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمتَ أن لا . فعرفتُ أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله . تنبيه قال ابن جرير : وأوْلى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ، ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به ، وذلك { بِضَنِينٍ } بالضاد . لأن ذلك كله كذلك في خطوطها . فأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من تأوَله ( وما محمد ، على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ، ببخيل بتعليمكموه أيها الناس . بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه ) انتهى . واختار أبو عبيدة القراءة بالظاء لوجهين : أحدهما : أن الكفار لم يبخلوه ، وإنما اتهموه ، فنفي التهمة أولى من نفي البخل . وثانيهما : قوله : { عَلَى ٱلْغَيْبِ } ولو كان المراد البخل لقال ( بالغيب ) لأنه يقال فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا . وقال الشهاب : قال في ( النشر ) : هو بالضاد في جميع المصاحف ، ولا ينافي هذا قول أبي عبيدة . إن الضاد والظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى ، زيادة يسيرة قد تشتبه . وهو كما قال . ويعرفه من قرأ الخط المسند . وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما توهم ؛ لأن ما نقلوه موافق للقراءة المتواترة . ولا بد مما ذكره أبو عبيدة ؛ لأنهم اشترطوا في القراءات موافقة الرسم العثمانيّ ، ولولاه كانت قراءة الظاء مخالفة له . انتهى . قال ابن كثير : وكلتا القراءتين متواترة ومعناها صحيح كما تقدم { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي : من إلقاء الشيطان المطرود عن بلوغ هذا المقام . وهو نفي لقولهم إنه كهانة .