Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 14-19)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي : فاز وظفر من تطهر من دنس الشرك والمعاصي ، وعمل بما أمره الله به { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي : تذكر جلال ربه وعظمته ، فخشع وأشفق وقام بما له وعليه ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الأنفال : 2 ] وجوز أن يحمل { تَزَكَّىٰ } على إيتاء الزكاة و ( صلى ) على إقامة الصلاة ، كآية { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [ طه : 14 ] لما عهد في كلامه تعالى من الجمع بينهما في عدة آيات ؛ لأنهما مبدأ كل خير وعنوان السعادة . لكن قيل عليه بأن المعهود في التنزيل الكريم تقديم الصلاة . وأجيب بأنه لا ضير في مخالفة العادة مع أن الجاري تقديمها إذا ذكرت باسمها . أما إذا ذكرت بفعل مأخوذ منها ، فلا . كقوله : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [ القيامة : 31 ] والأول أظهر ؛ لأنه أشمل وأعم . وهو أكثر فائدة . { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } قال أبو السعود : إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام . كأنه قيل ، إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح : لا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات العاجلة الفانية فتسعون لتحصيلها . والخطاب إما للكفرة ، فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضا والاطمئنان بها ، والإعراض عن الآخرة بالكلية ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ } [ يونس : 7 ] الآية . أو للكل ، فالمراد بإيثارها ما هو أهم مما ذكر ، وما لا يخلو عنه الإنسان غالباً من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة ، في السعي وترتيب المبادئ . والالتفاتُ على الأول لشديد التوبيخ . وعلى الثاني كذلك في حق الكفرة ، وتشديد العتاب في حق المسلمين . وقرئ ( يؤثرون ) بالياء { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي : أفضل ، لخلوصها عما يكدر . وأدوم لعدم انصرام نعيمها . والجملة حال من فاعل { تُؤْثِرُونَ } مؤكدة للتوبيخ والعتاب { إِنَّ هَـٰذَا } أي : ما ذكر في قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أو ما في السورة كلها { لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } أي : ثابت فيها معناه { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } بدل من ( الصحف الأولى ) وفي إبهامها ووصفها بالقدم ، ثم بيانها وتفسيرها ، من تفخيم شأنها ، ما لا يخفى .