Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 6-13)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } أي : سنجعلك قارئاً ، بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه . والمعنى : نجعلك قارئاً للقرآن فلا تنساه . قال الزمخشري : بشره الله بإعطاء آية بينة ، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي ، وهو أميٌّ لا يكتب ولا يقرأ ، فيحفظه ولا ينساه . تنبيهات الأول : قال الرازي : هذه آية تدل على المعجزة من وجهين : أحدهما : أنه كان رجلاً أميّاً ، فحفظه لهذا الكتاب المطول عن غير دراسة ولا تكرار ولا كتبة خارق للعادة فيكون معجزاً . وثانيهما : إن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة . فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة سيقع في المستقبل ، وقد وقع ، فكان هذا إخباراً عن الغيب ، فيكون معجزاً . الثاني : قيل ( لا تنسى ) نهي والألف للإطلاق في الفاصلة وهو جائز مثل : { ٱلسَّبِيلاْ } [ الأحزاب : 67 ] والمعنى : لا تغفل قراءته وتكريره فتنساه . فالنهي عنه مجاز عن ترك أسبابه الاختيارية . قال الرازي : والقول المشهور إن هذا خبر . والمعنى : سنقرئك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان . كقولك : ( سأكسوك فلا تعرى ) أي : فتأمن العري ، قال : واحتج أصحاب هذا القول على ضعف القول الأول بأن ذلك القول لا يتم إلا عند التزام مجازات في هذه الآية . منها : أن النسيان لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يصح ورود الأمر والنهي به . فلا بد وأن يحمل ذلك على المواظبة على الأشياء التي تنافي النسيان . مثل الدراسة وكثرة التذكر . وكل ذلك عدول عن ظاهر اللفظ . ومنها : أن نجعل الألف مزيدة للفاصلة وهو أيضاً خلاف الأصل . ومنها : أنا إذا جعلناه خبراً كان معنى الآية بشارة الله إياه بأني أجعلك بحيث لا تنساه . وإذا جعلناه نهياً كان معناه : أن الله أمره بأن يواظب على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة . وهذا ليس في البشارة وتعظيم حاله مثل الأول . ولأنه على خلاف قوله : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } [ القيامة : 16 ] انتهى . الثالث : قال البرهان الشافعي في كتاب ( تفضيل السلف على الخلف ) : إن بعضهم ذكر أن هذه الآية ناسخة لآية { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] وتحقيق معنى النسخ هنا في غاية الإشكال ؛ لأن قوله : { وَلاَ تَعْجَلْ } [ طه : 114 ] نهي عن العجلة ، وقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } ليس بأمر بها ليكون ناسخاً للنهي عنها . بل هو خبر عن بقاء الحفظ بعد إقرائه . وفحواه مؤكد لمعنى الخطاب الآخر ؛ لأن تأويله إنا نحفظك تحفيظاً لا تخاف معه النسيان . فلا حاجة لك إلى أن تعجل بالقرآن وتحرك به لسانك . ولكنهم سموه نسخا ، لغة لا حقيقة ، على معنى تبدل الحال عنده . فإنه ظهر له الأمن عن النسيان بعد خوفه أن ينساه لما كان يحرك به لسانه . انتهى . وقوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } استثناء مفرغ من أعم المفاعيل . أي لا تنسى مما تقرؤهُ شيئاً من الأشياء ، إلا ما شاء الله أن تنساه ، مما تقتضيه الجبلة البشرية أحياناً . قال الزجاج : إلا ما شاء الله أن ينسى فإنه ينسى . ثم يتذكر بعد ذلك ولا ينسى نسياناً كليّاً دائماً . وذلك لأن ما بالجبلة لا يتغير . وإلا لكان الإنسان عالماً آخر . وقد روى البخاري عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله فلاناً . لقد أذكرني كذا وكذا آية ، كنت أسقطتهن " ويروى : " أنسيتهن " . وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " رواه الشيخان عن ابن مسعود . وقيل : الاستثناء مجازي بمعنى القلة المراد بها النفي ، وذلك أن المخرج في الاستثناء أقل من الباقي ؛ ولأن { مَا شَآءَ ٱللَّهُ } في العرف يستعمل للمجهول . فكأنه قيل : إلا أمراً نادراً لا يعلم . فإذا دل مثله على القلة عرفا ، والقلة قد يراد بها النفي في نحو ( قل من يقول كذا مجازا ) أريد بالاستثناء هنا ذلك . وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله : ( أو قال إلا ما شاء الله ) والغرض : نفي النسيان رأساً ، كما يقول الرجل لصاحبه : ( أنت سهمي فيما أملك إلا فيما شاء الله ) ولا يقصد باستثناء شيء . وهو من استعمال القلة في معنى النفي . وقال الفراء - فيما نقله الرازي : إنه تعالى ما شاء أن يُنسي محمداً عليه السلام شيئاً ، إلا المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير ناسياً لقدر عليه ، كما قال { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الإسراء : 86 ] ثم إنا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك . وبالجملة ، ففائدة هذا الاستثناء أن الله تعالى يعرفه قدرة ربه حتى يعلم أن عدم النسيان من فضل الله وإحسانه ، لا من قوته . انتهى . { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } أي : ما يجهر به عباده وما يخفونه من الأقوال والأفعال . وهو تعليل لقوله : { سَنُقْرِئُكَ } مبين لحكمته ، وهو سبق علمه تعالى بحاجة البشر إلى إقرائه الوحي وإخراجهم به من الظلمات إلى النور . ثم أشار إلى أن هذا المُقْرَأَ الموحي به للعمل . ليس فيه حرج عسر ، بقوله تعالى : { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } أي : نوفقك للطريقة اليسرى ، أي : الشريعة السمحة السهلة ، التي هي أيسر الشرائع وأوفقها بحاجة البشر مدى الدهر { فَذَكِّرْ } أي : عباد الله عظمته ، وعظهم وحذرهم عقوبته { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : الموعظة . و { إِن } إما بمعنى ( إذ ) كقوله تعالى : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] أو بمعنى ( قد ) على ما قاله ابن خالويه . ويؤيده قوله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] وقيل : { إِن } شرطية . والمعنى : ذم المذكَّرين واستبعاد تأثير الذكرى فيهم ، تسجيلا بالطبع على قلوبهم كما تقول للواعظ : ( عظ المكّاسين إن سمعوا منك ) قاصدا بهذا الشرط استبعاد ذلك ، وأنه لن يكون { سَيَذَّكَّرُ } أي : يقبل التذكَّرة وينتفع بها { مَن يَخْشَىٰ } أي : بخاف العقاب على الجحود والعناد ، بعد ظهور الدليل { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي : العظمى ألما وعذاباً { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } أي : لا يهلك فيستريح ، ولا يحيى حياة تنفعه . قيل : إن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوعٍ في شدة شديدة قالوا : ( لا هو حي ولا ميت ) فجاء على مألوفهم في كلامهم . و { ثُمَّ } هنا للتفاوت الرتبيّ ، إشارة إلى أن خلوده أفظع من دخوله النار وصليّه .