Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-5)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أي : نزه ربك عما يصفه به المشركون من الولد والشريك ونحوهما ، كقوله : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] فالاسم صلة . وسرُّ إيراده أن المنوه به إذا كان في غاية العظمة ، كثيراً ما تضاف ألفاظ التفخيم إلى اسمه ، فيقال : سبح اسمه ومجد ذكره . كما يقال سلام علي المجلس العالي . هذا ما ذكروه . وثمة وجه آخر وهو أن الحق تعالى إنما يعرف بأسمائه الحسنى ، لاستحالة اكتناه ذاته العلية ، فأقحم تنبيها على ذلك . ومما يؤيده ما ذكر من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا : " سبحان ربي الأعلى " ، كما رواه ابن جرير وغيره . وذهب بعضهم إلى أن المراد تنزيه اسم الله وتقديسه أن يسمى به شيء سواه ، كما كان يفعل المشركون من تسميتهم آلهتهم ، بعضها اللات وبعضها العزى ، حكاه ابن جرير فالإسناد على ظاهره ، وهذا ما اعتمده الإمام ابن حزم في ( الفِصَل ) حيث رد على من استدل بهذه الآية في أن الاسم عين المسمى ، ذهاباً إلى أن من الممتنع أن يأمر الله عز وجل بأن يسبح غيره فقال ابن حزم رحمه الله : وأما قوله تعالى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } فهو على ظاهره دون تأويل ؛ لأن التسبيح في اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله عز وجل ، هو تنزيه الشيء عن السوء . وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه ، الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء ، عن كل سوء حيث كان من كتاب أو منطوقاً به ، ووجه آخر وهو أن معنى قوله تعالى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } ومعنى قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 95 - 96 ] معنى واحد . وهو أن يسبح الله تعالى باسمه . ولا سبيل إلى تسبيحه تعالى ولا إلى دعائه ولا إلى ذكره إلا بتوسط اسمه . فكلا الوجهين صحيح . وتسبيح الله تعالى وتسبيح اسمه كل ذلك واجب بالنص . ولا فرق بين قوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 96 ] وبين قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [ الطور : 48 - 49 ] . والحمد بلا شك هو غير الله . وهو تعالى يسبح بحمده كما يسبح باسمه ، ولا فرق . فبطل تعلقهم بهذه الآية . انتهى كلامه . وقد يقال : فرق بين الآيتين . فإن الباء في { بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ الطور : 48 ] للملابسة ، ولا كذلك هي في { بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ الواقعة : 96 ] ومع اتساع اللفظ الكريم للأوجه كلها ، فالأظهر هو الأول لما أيده من الأخبار ولآية { فَسَبِّحْهُ } [ الطور : 49 ] وآية { سُبْحَانَ رَبِّكَ } [ الصافات : 180 ] والله أعلم . و { ٱلأَعْلَىٰ } هو الأرفع من كل شيء ، قدرة وملكاً وسلطاناً . واستدل السلف بظاهره في إثبات العلو بلا تكييف . والمسألة معروفة . { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } قال الزمخشري : أي : خلق كل شيء فسوى خلقه تسوية ، ولم يأت به متفاوتاً غير ملتئم ، ولكن على إحكام واتساق ودلالة على أنه صادر عن عالم ، وإنه صنعة حكيم . { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } أي : قدر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } أي : أخرج من الأرض مرعى الأنعام من صنوف النبات { فَجَعَلَهُ } أي : بعد خضرته ونضرته { غُثَآءً } أي : جافّاً يابساً تطير به الريح { أَحْوَىٰ } أي : أسود ، صفة مؤكدة ( لغثاء ) ؛ لأن النبات إذا يبس تغير إلى ( الحوة ) وهي السواد . قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام لغة العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وأن معنى الكلام : والذي أخرج المرعى أحوى أي : أخضر إلى السواد فجعله غثاءً بعد ذلك . وهذا القول وإن كان غير مدفوع ، أن يكون ما اشتدت خضرته من النبات ، قد تسميه العرب أسود ، غير صواب عندي بخلاف تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير ، إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه أو تأخيره . فأما وله في موضعه وجه صحيح ، فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير . انتهى . والقول المذكور هو للفراء وأبي عبيدة .